بالرغم من مقاومة الإخوان وحلفائهم فإن الجمهورية الثالثة تنطلق للأمام بقوة وحماس وأمل، فأعلن الرئيس السيسى وحكومته عن عدد من المشروعات القومية العملاقة، ودارت عجلة العمل فى مشروع قناة السويس الجديدة، وشبكة الطرق واستصلاح أربعة ملايين فدان، ومشروع المثلث الذهبى، وتوشكى، والساحل الشمالى الغربى. لكن هذه المشروعات على أهميتها لم تخضع لنقاش مجتمعى كاف، ولم تندرج ضمن رؤية شاملة لمستقبل مصر، صحيج أن هناك خبراء وفرقا علمية اشتغلت فى دراسة هذه المشروعات وتنفيذها بأساليب علمية، لكن لم يعلن عن تفاصيل هذه الدراسات ولم تعرض للنقاش المجتمعى، ربما لأن الحماسة الوطنية ومحاولة إنقاذ الاقتصاد دفعت للتنفيذ والعمل قبل كل شىء، ومن دون الإجابة على بعض الأسئلة. وأتصور أن الفرصة لا تزال قائمة لمناقشة هذه المشروعات من كل الجوانب، خاصة أن غياب النقاش العلمى المتخصص، والنقاش المجتمعى الواسع للمشروعات القومية يسمح بظهور الشائعات وانتشارها، والتشكيك فى تكلفة بعض المشروعات وجدواها.
المطلوب باختصار تنظيم مؤتمر قومى يشارك فيه علماء مصر فى الداخل والخارج، إضافة إلى مبدعين ومثقفين وسياسيين وشباب من أجل وضع رؤية استراتيجية شاملة لمصر المستقبل، بعد خمس سنوات، وبعد عشر سنوات، وبعد ربع قرن. وينقسم المؤتمر إلى ورش أو مراكز للتفكير think tanks، ولجان متخصصة تعمل بالتوازى، ثم بالتعاون من أجل وضع كل مشروع قومى فى مكانه، ضمن الرؤية الاستراتيجية لمستقبل مصر، واقتراح مشروعات جديدة، ولابد أيضا من مناقشة إيجابيات وسلبيات المشروعات القومية، والإجابة بشكل علمى مجرد على كل الأسئلة المشروعة وغير المشروعة «أسئلة الإخوان وشركائهم» على جدوى كل مشروع قومى، ومصادر تمويله، وأساليب تشغيله.
باختصار مطلوب تخطيط استراتيجى شامل، وجامع لكل المشروعات القومية التى أعلن عنها أو بدأ العمل فيها، بحيث نضمن التكامل والترتيب العلمى للأولويات، والقدرة على حل المشكلات. وما أطالب به ليس جديدا، وإنما هو نهج اتبعته كل الدول التى حققت قفزات تنموية مثل ماليزيا والبرازيل والهند والصين، القصد لن نعيد اختراع العجلة، ولكن نريد تقليد نماذج النجاح الاقتصادى فى العالم، حيث كانت البداية دائما من خلال مؤتمرات للبحث والتفكير، وتنظيم مراكز تفكير think tanks مستقلة متخصصة فى مجالات محددة. ولا شك أن علماء مصر فى الداخل والخارج يغطون كل المجالات، ولديهم من المعرفة والخبرة ما يفى بالمطلوب، لكن المشكلة أن الإعلام لا يهتم بهم!! ولا يوجد تواصل بينهم وبين النخبة السياسية، التى حصرت نفسها فى عدد محدود من أساتذة الجامعات، وموظفى الدولة، من دون القدرة على كسر الصندوق، والبحث عن الكوادر العلمية والإدارية داخل وخارج مصر.
إننى لا أستطيع أن أصدق خرافة أن مصر تعانى نقصا فى الخبرات والكوادر، قد أصدق أن هناك تجريفا فى السياسة، لأن «ماء السياسة جف»، كما قال الأستاذ هيكل بصدق عن عصر مبارك، لكن التجريف الذى ضرب مصر فى عصر مبارك لم يصل إلى الكوادر الفنية والبحثية والإدارية، بدليل الزيادة الكبيرة فى أعداد الحاصلين على الدكتوراه والجوائز العلمية المحلية والدولية، وآلاف المصريين العاملين فى المنظمات الدولية والجامعات العربية والأجنبية والشركات والإدارات الحكومية فى دول الخليج. إن هؤلاء ثروة معنوية ورمزية هائلة تحتاج لمن يوظفها، ويتيح لها فرصة أن تخدم مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة