صدمة عارمة اجتاحت العالم صباح الأربعاء الماضى بعد تناقل أخبار الهجوم على صحفيفة شارل إيبدو الفرنسية وقتل صحفييها فى «وضح النهار»، فلم يعتد الأوروبيون على مشاهدة مثل هذه الوقائع الدامية وبقلب العاصمة الفرنسية «باريس» إحدى أهم العواصم الأوروبية، ولم يعتد العالم أجمع أن على أن يتم اقتحام جريدة ذائعة الصيت بهذه الطريقة القاسية، وأن يقتل 12 صحفيا ويصاب 20 آخرون، ولأن الصدمة كانت عنيفة فمن المتوقع أن تكون العواقب «وخيمة».
قبل وقوع هذا الحادث عاشت أوروبا شهورا طويلة ممتلئة باحتقان كبير ضد المسلمين، وسط تنامٍ لموجات الاحتجاج الشعبى ضد ما أسموه بـ«أسلمة» أوروبا، وامتلأت شوارع أكبر العواصم باريس ولندن وبرلين بمئات المتظاهرين الذين نددوا بالوجود الإسلامى فى أوروبا، وشطح بعضهم مطالبين بطرد المسلمين من أوروبا، وهو الأمر الذى قابلته قطاعات أوروبية كبيرة بالرفض والاستهجان، حتى إن كنيسة «كاتالونيا» أطفأت أنوارها اعتراضا على هذه الروح العدائية تجاه المسلمين، لكن على ما يبدو أن هذه الأصوات المدافعة عن الإسلاميين ستخفت فى الأيام القادمة بعدما روع العالم أجمع بما جرى فى «شارل إيبدو»
أهم ما فى هذه الواقعة هو أنها ستشكل مرحلة تاريخية جديدة من مراحل العلاقة بين أوروبا والإسلام، وسيتم استدعاء أجواء 11 بقوة أمام هذا السيل الجارف من العمليات الإرهابية المفجعة، فقد شكلت هذه الواقعة تحولا استراتيجيا فى خطط الإرهاب الذى لم يكن من هواة المواجهة فيما قبل، وكانت معظم خطط الإرهابيين تنحسر فى تفجير عن بعد أو تفجير انتحارى أو استيلاء على مؤسسة أو مقهى أو طائرة لاستخدامها فى التفجير كما حدث فى 11 سبتمبر، لكن أن يظهر الإرهابيون بهذه العلنية الفاضحة ويقتلون صحفيين ورسامين فهذا ما لم يعتده أحد.
السياق التاريخى لهذه الواقعة يؤكد أن العديد من نظريات «احتواء الإسلام السياسى» فشلت تمام، وأن التحالفات الأوروبية مع الإسلاميين ستتم مراجعتها جيدا، كما أن المزايا التى تمنحها الدول الأوروبية لهؤلاء الإرهابيين ستقل كثيرا، فقد وجه الإرهابيون أسلحتهم لأوروبا بعد أن ظن قادتها أنهم سيوجهونها إلى بلدانهم، فقد انقلب «الوحش الإسلامى سينقلب على مربيه وأصبحت الدماء الآن تغطى شوارع أوروبا مثلما تغطى شوارع مصر وسوريا وليبيا واليمن وتونس».
آن للغرب الآن أن يعترف بفشل نظرياته الداعية لاحتواء الإسلام السياسى، فمرتكبو حادثة «شارل إيبدو» فى الغالب أوروبيون نشأوا وتعلموا فى أوروبا ونعموا بأجوائها الديمقراطية، لكنهم لم يقنعوا بالديمقراطية ويعتبرونها كفرا خالصا، ولذلك فلم يعد مقبولا أن يقول المحللون الأوروبيون إن السبب الرئيسى للجوء الجماعات الأصولية الإسلامية للعنف هو أنهم يعيشون كبتا داخليا فى مجتمعاتهم.