"السعادة" كلمة يبحث عنها كل سائر فى طريق الحياة. وفى أثناء البحث، قد يجدها الإنسان وقد يفقدها، إلا أن للسعادة أسرارًا نكتشفها كلما سرنا فى الطريق، ومن هٰذه الأسرار، أن السعادة لا توجد: فى قلب يعرف الطريق إلى الكراهية، وفى عقل لا يهدأ من القلق، وفى نفس لا تعرف معنى العطاء.
الكراهية
الكراهية هى صفة تدمر الإنسان الذى يمتلكها؛ إذ أنها قبل كل شىء بُعد عن الله- تبارك اسمه- وحين نبتعد عن الله، فنحن فى طريق الموت لا محالة، فمن يقول إنه يحيا وهو يبغض إنسانـًا فهو لم يعرف بَعدُ معنى الحياة.
والكراهية تمثل إحساسـًا بالعداوة نحو إنسان آخر؛ سواء كان ذٰلك بسبب أو دون سبب يُدركه. كذٰلك هى مشاعر سلبية تُعد حِملـًا عظيمـًا ينوء به كل من يحاول أن يحمله ويعيش به الحياة. يقول "مارتن لوثر كينج" الابن: "قررتُ التمسك بالحب. فالكراهية عبء أثقل من أن يتم حَمله". نعم، فمن يمتلئ قلبه كُرهـًا، لا يستطيع تحمل أبسط أمور الحياة؛ فالحياة لديه تتوقف عند الشخص الذى يكرهه، ولا يستطيع أن يتخطى تلك المرحلة. كذٰلك فإن عقله يتوقف مقيدًا بالانشغال بإيذائه، غير قادر على الانطلاق نحو الإبداع. وبذٰلك تؤثر الكراهية سلبـًا فى حياة الإنسان؛ فهى:
أولًا: تُفقده السعادة وتملأ حياته بالحزن والإحباطات.
ثانيًا: تبدد ما لديه من مشاعر فى أمور سلبية؛ هٰذا غير أنها تملأ فكر صاحبها باللوم والبحث عن كبوات الآخرين.
وهى أيضـًا: تصيب جسد الإنسان بالأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والصداع، وكثير من الأمراض الخطيرة.
ومن السهل أن يكره الإنسان، ولٰكن من الصعب أن يحب! فالأمور التى تؤول إلى البناء عادة ما تكون هى أكثر صعوبة فتحتاج إلى جهد أكبر، وعمل متواصل لتحقيقها، على النقيض من الهدم الذى لا يحتاج إلى تعب للوصول إليه. والإنسان الذى يحمل الكراهية لا يمكنه الوصول إلى أى شىء وإنما يفقد أهدافه والآخرين؛ وقبل ذٰلك يفقد نفسه وإنسانيته.
إن الحياة قصيرة جدًّا لا تستحق الكراهية؛ فغدًا سيكون كل منا ذكرى لا يتبقى منها إلا جميل ما صنع من محبة. فسامح من أساء إليك، واجعل حياتك أنشودة وصورة خالدة تحمل نهار المحبة لا ليل الكراهية. وإذا أردت أن توقف كراهية أحد لك، فقدِّم له مزيدًا من المحبة؛ فكما يقولون: "الكراهية لا توقف الكراهية، وإنما يوقفها الحب فقط. فلا يمكن التغلب على الكراهية إلا بالحب".
وأستعيد كلمات الشاعر:
دَع الْأيّامَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ وَطِبْ نَفْسـًا إِذا حَكَمَ الْقَضاءُ
وَلا تَجْــزَعْ لِحـَــــادِثَةِ اللَّيالِى فَما لِحَوادِثِ الدُّنْيا بَقاءُ
وَكُنْ رَجُلـًا عَلَى الْأَهْوالِ جَلْدًا وَشِيمَتُكَ السَّماحَةُ وَالْوَفاءُ
وكما أن السعادة تُفقد بالكراهية، فهى أيضـًا تتأثر سلبـًا بالقلق الذى ينتاب الإنسان. وللحديث عن السعادة بقية..
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة