لم يكن هناك صوت فى فرنسا يعلو فوق صوت الأمن.. لم يجرؤ أحد أن يرفع صوته، أو يعلن رأيه كتابة أو إذاعيًا أو فضائيًا فى ممارسات الأمن الفرنسى، وتحويل باريس عاصمة الفن والحضارة إلى «ثكنة عسكرية» وأمن فرنسا يتعرض لأصعب اختبار يواجهه فى السنوات العشر الأخيرة، وهو يتذوق مرارة الإرهاب الأسود. وعندما يتعرض الأمن الفرنسى أو البريطانى أو الأوروبى بشكل عام للخطر فلا تحدثنى عن حقوق الإنسان، ولن أسمح لك بأن تناضل من الفنادق والفضائيات لانتقاد ممارسات وإجراءات رجال الأمن فى مواجهه الإرهابيين. هنا يسكت الجميع ليستمعوا إلى صوت البندقية وهى تتكلم، ودقات كعوب الجنود.. أكثر من 80 ألف جندى فرنسى فى باريس وعدد من المدن الفرنسية تم استدعاؤهم، والكل انتباه خلف شرطته وجيشه للأخذ بالثأر لمقتل العاملين فى «شارلى إيبدو».
غير مسموح لـ«النشطاء» أو هتيفة «يسقط حكم العسكر» أو «دكاكين حقوق الإنسان» أو الذين «يشقون الجيوب ويلطمون الخدود» على حرية الرأى حتى لو كان بالإرهاب، بالتواجد فى الصورة على الإطلاق، سواء كان ذلك بالقانون أو بالوعى، أنه لا وقت للهزار ورفاهية النضال فى وقت الجد، وفى وقت يتعرض فيه الأمن القومى الفرنسى لأزمة حقيقية. والسبب بسيط للغاية أن نشطاء أوروبا وفرنسا وجمعياتها لا يمولون من الخارج، وليست لهم أجندات عربية أو آسيوية أو أفريقية داخل فرنسا.
من تابع كيف تعامل الأمن - شرطة وجيشًا- مع الإرهابيين المشتبه بهم فى تنفيذ عملية صحيفة «شارلى إيبدو»، وكيف بدت الشراسة والقوة فى قتلهم مع عدد من الرهائن يدرك أن الأمن المصرى- رغم التجاوزات- لديه منظومة قيم يتعامل بها، ولديه احترافية عالية فى القبض على المتهمين، ومع ذلك لا ترحمه حناجر «النشطاء»، ولا أقلام أصحاب دكاكين حقوق الإنسان.
هذه هى فرنسا يا سادة، دولة المؤسسات والقانون والحقوق والواجبات، ودولة الشعارات التاريخية لثورتها المجيدة فى نهايات القرن التاسع عشر «الحرية والإخاء والمساواة» لا تتهاون فى أمنها، وتتعامل بكل قوة وعنف مع من يهددها، ولا عزاء أو اعتبار لـ«النشطاء» عندها، فليذهبوا للجحيم، والويل لهم إذا انتقدوا أو هاجموا أو صاحوا.. فرفقًا بنا أيها النشطاء المحليون.