فى مؤتمر مكتبة الإسكندرية حول «استراتيجية عربية لمواجهة التطرف» الذى أقيم فى الفترة من 3 - 5 من الشهر الجارى، كان واضحا أن منظمى المؤتمر ركزوا على الكم أكثر من الكيف، وركزوا على الطابع الاحتفالى أكثر من الطابع العلمى المتعمق، واستسهلوا فى دعوة أشخاص مسجلة فى قوائمهم أكثر منها تعبا حول مفكرين ومتخصصين يمكنهم إثارة النقاش والخيال والتفكير غير المألوف، ومع أنى لست ضد مشاركة التيارات السياسية الحزبية، بيد إن مشاركة بعض هؤلاء وهم يحملون فى داخلهم خبرات خاصة وذاتية يحملونها معهم فى تلك المؤتمرات ويعبرون عن تلك الخبرات وليس عن موضوع المؤتمر وهو ما يقود فى الغالب إلى التوتر وربما تفجير الجلسات، والبلاد فى حالة استقطاب لم تتعاف منها بعد، وليست فى حاجة إلى نقل الاستقطابات الأيديولوجية لمؤتمر يناقش ظاهرة علمية وهى ظاهرة الإرهاب المستفحلة والمهددة للوجود الحضارى لعالم العرب والغرب معا.
كان يكفى أن يطل رئيس مكتبة الإسكندرية الدكتور «إسماعيل سراج الدين» على المشاركين مرة واحدة رغم أهمية المحاضرة التى شارك بها «إطلالة علمية لمواجهة التطرف» والتى ركزت على «BIG DATA» وتأثيرها على شكل العالم، فهو قد ألقى محاضرة طويلة وفى نفس الوقت أطل للترحيب بالمشاركين كان يكفى إحداهما، شاركت وزارة الخارجية مع مكتبة الإسكندرية لإخراج المؤتمر الذى كان رئيس مصر الانتقالى عدلى منصور قد طالب به، عنوان المؤتمر «نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف»، وبالطبع فإن الاستراتيجيات لا يمكن صنعها فى مؤتمرات ذات طابع احتفالى أكثر منها علمى، كان من المطلوب عقد جلسات عصف ذهن ثم بلورتها فى أفكار أساسية بعد ثم الخلوص إلى ما يشبه الاستراتيجية قبل المؤتمر لنعلن عن «نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف» بعد نقاشات وسجالات المؤتمر.
فكرة المواجهة بمعنى النفى ليست سبيلا مناسبا لمواجهة الأفكار والظواهر الاجتماعية والسياسية المركبة والمعقدة مثل التطرف والإرهاب والعنف والاعتزال والعزلة وبناء مجتمعات موازية، فقد لاحظت مثلا أن النفى كان السبيل فى عدد من القضايا فقد تكلم الدكتور «مصطفى الفقى» عن أن الإسلام لم يعرف نظام الخلافة وأن أنظمة الحكم بعد الخلافة الراشدة كانت أنظمة لا تعبر عن الخلافة، وهاجم الشيخ أسامة الأزهرى المفكر «سيد قطب» وأظهر أن لديه جهدا علميا لمواجهة ونفى أفكاره، وفى جلسة «نقد خطاب التطرف» التى حضرها أغلب المعبرين عن التيار الإسلامى أشار الشيخ أحمد ترك إلى أن الإسلام لم يعرف نظام اسمه الخلافة.
وفى جلسة «إعادة بناء الفكر الإسلامى المعاصر» تفجرت الجلسة بسبب الأسلوب الخطابى لمداخلة «أحمد الجمال»، وبسبب استعادة أسلوب التسعينيات فى مواجهة التيار الإسلامى من جانب «أمينة شفيقة»، ونحن قوم عاطفيون وقد انفعل أحد المشاركين من حزب النور عقب كلمة «أمينة شفيق» التى أنكرت فيها عذاب القبر ودافعت عن أطروحات من أسمتهم شباب أقرب للطابع الاقتحامى الإلحادى منها للعمل العلمى، ولاحظت أن التصفيق للمعقبين على كلمات المتحدثين الرئيسيين يملأ القاعة فى طابع حزبى وسياسى أكثر منها علمى، فطلبت نقطة نظام وقلت إن تلك جلسة علمية لها جلالها ويجب إيقاف التصفيق ذات الطابع الحزبـى وكأننا فى مباراة لكرة القدم.
وللحديث بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة