فى الوقت الذى أكد فيه وزير الخارجية التركى، مولود جاويش أوغلو، أن بلاده مستعدة لتحسين علاقاتها مع مصر، تؤكد مصادر بوجود اتصالات مكثفة ووساطة تقودها بعض الدول، وعلى رأسها دول الخليج، من أجل إتمام المصالحة بين مصر وتركيا، لكن هذه المصالحة يقف فى طريها فريق "الصقور"، الذى يتزعمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وبعض مسشاريه، وهذا الفريق يتسم بخطاب حماسى ويرفع شعار القيم والمبادئ ونصرة المظلومين لكنه يرفض المصالحة.
وتأتى هذه الاتصالات بعد إعلان المملكة العربية السعودية، رسميًا، عن طى صفحة الخلافات بين مصر ودولة قطر وغلق قناة الجزيرة مباشر مصر، التى كانت تبث مواد إعلامية تحرض ضد النظام المصرى، استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أعقبها استقبال الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى القاهرة، كل من رئيس الديوان الملكى السكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين ومبعوثه فى هذه المهمة خالد بن عبدالعزيز التويجرى، والشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثان، مساعد وزير الخارجية القطرى مبعوث أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان لهذه المهمة.
عقب هذه المصالحة أكد البعض أن هذه الخطوة تهدف لتقارب مصرى مع تركيا، وأن القاهرة تهدف من وراء الدوحة إلى تقارب حقيقى مع أنقرة، فهذه النظرية تؤكدها روايتان: الأولى أن الزيارة، التى قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لتركيا قبل الإعلان عن التهدئة مع مصر بيومين، وهو ما رجحه البعض بأن هناك تفاهمات قطرية- تركية حول هذه المصالحة، خاصة فى ظل تطابق وجهات النظر التركية القطرية فى كثير من القضايا الخارجية، أما الراوية الثانية فهى تصريحات نائب رئيس الوزراء التركى، والمتحدث باسم الحكومة بولنت أرينج التى أطلقها من دولة الكويت، وأكد فيها أن بلاده تريد الهدوء فى علاقاتها مع مصر، لكنه فى نفس الوقت أعرب عن أمله أن تقوم القاهرة بتغيير سياستها ضد حقوق الإنسان- بحسب تعبيره.
وقد بلغ التقارب بين تركيا ومصر مع بدايات ثورة يناير 2011، عندما أعلن رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان فى خطابه أمام البرلمان التركى فى 2 فبراير 2011، دعم بلاده للثورة المصرية ومطالبة الرئيس مبارك وقتها بالاستجابة لمطالب الشعب المصرى الممثلة فى رحيله وتنحيه عن الحكم، وقد مثل هذا تحولا نوعيا فى السياسة التركية تجاه مصر.
كما اكتسبت زيارة رئيس تركيا وقتها عبد الله جول لمصر فى مارس 2011، أهمية كبيرة لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس دولة إلى مصر ما بعد الثورة، حيث استقبله آنذاك رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوى، وتناول الجانبان سبل دعم العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، وأكد جول حرص بلاده على تقديم الدعم الكامل لمصر خلال الفترة الانتقالية.
وفى 12 سبتمبر 2011، قام رئيس الوزراء التركى بزيارة إلى مصر، والتى تعد الزيارة الأولى له عقب فوزه مجددا فى الانتخابات البرلمانية، التى أجريت فى يونيو 2011، وبذلك خالف ما هو متعارف عليه فى الدبلوماسية التركية، حيث تكون قبرص أول زيارات رئيس الوزراء الخارجية، ثم يتجه إلى أذربيجان، وقد اصطحب أردوغان فى زيارته لمصر 6 من وزارئه، وعدد كبير من المستشارين والدبلوماسيين وما يزيد على 250 من رجال الأعمال والمستثمرين، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين فى مختلف المجالات.
وخلال هذه الزيارة تم عقد المنتدى الاقتصادى المصرى التركى، بمشاركة نحو 500 من رجال الأعمال من كلا البلدين، وأعرب أردوغان عن رغبته فى زيادة حجم التبادل التجارى إلى خمسة مليارات دولار خلال عامين.
لكن هذه العلاقات شهدت توترا بين البلدين منذ عزل مرسى، بلغ قمته فى 24 نوفمبر 2013، عندما اتخذت مصر قرارا باعتبار السفير التركى "شخصا غير مرغوب فيه"، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال، وردت أنقرة بالمثل.
المؤكد أن المصالحة المصرية- التركية قادمة، كما حدث مع قطر، لكن هذه المصالحة يقف فى طريقها عدة عقبات تحول دون تحقيقها فى وقت سريع أو إحراز أى تقدم على المدى القصير.
فالنظام التركى، كما يرى بعض المحللين، منقسم إلى اتجاهين حول إجراء مصالحة بين أنقرة والقاهرة، خاصة فى ظل الوقت الراهن الذى باتت فيه فرصة رجوع الرئيس السابق مرسى إلى الحكم مستحيلة على عكس ما كانت تعلن الجماعة دائمًا.. فالاتجاه الأول: والذى يمثله "الصقور"، منهم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وبعض مسسشاريه، هذا الاتجاه يتسم بخطاب حماسى ويرفع شعار القيم والمبادئ ونصرة المظلومين، وهذا الاتجاه يرفض المصالحة ويرى أن "مرسى ما زال الرئيس الشرعى للبلاد، وأن ما حدث بعد 3 يوليو 2013 هو انقلاب عسكرى على رئيس منتخب"، على حد زعم هذا الفريق.
أما الاتجاه الثانى، والذى يطلق عليه "الحمائم"، فيمثله الرئيس التركى السابق عبد الله جول ونائب رئيس الوزراء، بولنت أرينج، وعدد غير قليل من الوزراء ونواب حزب العدالة والتنمية، وخطاب هذا الاتجاه يتسم بالتوافقية وعدم المصادمة، ويقول إن تركيا عبرت عن موقفها المبدئى مما حدث فى مصر بعد 3 يوليو، وإنها فعلت ما بوسعها لتوصل موقفها إقليميا ودوليا، وإنه لا داعى أن يتم التشهير عند كل مقابلة أو لقاء أو تصريح بالرئيس المصرى الحالى عبد الفتاح السيسى، وإنه من المفيد إبقاء "حد أدنى من التواصل على الأقل" مع الجانب المصرى الرسمى، لمعالجة بعض القضايا الإقليمية المهمة، التى قد تتطلب أن يكون مثل هذا التوصل فى حده الأدنى موجودا.
ويعد الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان، وعبد الله جول وبلنت ارينج مؤسسى حزب العدالة والتنمية وأركانه الثلاثة، أما رئيس الحزب الحالى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو فكان أكاديميا مرموقا لحق بالحزب بدعوة من أردوغان وجول، وعمل مستشارا لهما ثم وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء.
ويسعى داود أوغلو إلى تطبيق سياسة التوافق بين هذين الاتجاهين، فقد كان منظّر سياسة "صفر المشاكل" مع جيران تركيا، وهى تلك النظرة التى أسفرت عن نتائج إيجابية حينها، إلى أن زلزلتها تداعيات أحداث الربيع العربى.
لكن كثيرا من المحللين يرون أن المصالحة مع تركيا لن تحدث إلا بعد رحيل الرئيس التركى أردوغان من الحكم، فعندها ستكون الفرصة سانحة أمام إجراء مصالحة حقيقية وشفافة لأن تركيا "العدالة والتنمية" وقفت مع مصر إبان فترة الإخوان كجزء من أيديولوجيتها التابعة للتنظيم الدولى، وهو ما سيجعل من إجراء مصالحة أو على الأقل هدوءا أمرا مستحيلا فى الوقت الراهن.
لكن أكثر المحللين المتفائلين يرون أن عام 2015 سيكون عام انتخابات برلمانية فى كلا البلدين "مصر وتركيا"، وبهذه الانتخابات ستخطو مصر خطوة إلى الأمام نحو الديمقراطية، الخطوة التى ستسهل لأنقرة التواصل مع تلك الحكومة المنبثقة من البرلمان. وفى النهاية ستتوجه العلاقات بين البلدين نحو التحسين ولو بالتدرج.
ورغم السياسات التركية فى عهد حزب العدالة والتنمية، والتى أظهرت انحيازا كبيرا للقيم والمبادئ الأخلاقية، خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطينى والسورى، منذ اندلاع ثورات الربيع العربى، إلا أنها رضخت فى بعض المراحل، خاصة فيما قبل الربيع العربى، للواقع السياسى لدول المنطقة، وأقامت علاقات قوية مع أنظمة ديكتاتورية مستبدة مثل نظام بشار الأسد ونظام معمر القذافى، ونظام زين العابدين بن على فى تونس، مبررة ذلك بأنها غير مكلفة بتغيير أنظمة تلك الدول وأنها مجبرة على التعامل معها.
وفى ظل الكلام الكثير حول حدوث مصالحة أو عدم حدوثها إلا أن البلدين يحتاجان بعضهما البعض، نظرا لأن تركيا لها مصالح كبيرة بالدول العربية والقارة الإفريقية وعودة العلاقات مع مصر من شأنه أن يؤدى إلى استقرار هذه المصالح وتنميتها مستقبلا، كما ستستفيد مصر من الوضع الاقتصادى المتقدم لتركيا، التى تعد سادس أكبر نظام اقتصادى فى القارة الأوروبية، إلى جانب الاستثمارات التركية فى مصر، والتى تبلغ 1.5 مليار دولار، موزعة على مختلف المجالات، فضلا عن كون أنقرة حليف مهم ومؤثر بالنسبة للقاهرة، وأنهما تربطهما علاقات تاريخية مؤثرة.
"صقور تركيا" حجر عثرة أمام المصالحة مع مصر..النظام التركى منقسم إلى اتجاهين..الأول يمثله "الصقور"يتزعمهم أردوغان ويرفع شعار نصرة المظلومين.. و"الحمائم"يمثله عبد الله جول ويتسم بالتوافقية وعدم المصادمة
الأربعاء، 14 يناير 2015 08:14 م
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان
(أ ش أ)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة