قبل عشرين عاما بالتمام والكمال صحبنى إبراهيم عيسى إلى عمارة قديمة فى شارع متفرع من قصر النيل، مصعد متهالك أخذنا إلى أعلى، حيث ينتظرنا فى شقة متواضعة عصام إسماعيل فهمى، ناشر الكتب الذى أنتج شريط كاسيت لمحمد منير، كان الرجل يشرف على تهيئة المكان لكى يصبح مقرا لجريدة جديدة حصل لها على رخصة من الخارج اسمها الدستور، طويل، يرتدى نظارة ستينية، نشيط، مبتسم، خرج الإصدار الجديد شابا مباغتا عفويا مدهشا، يباع فى السوق السوداء، كان قدم السعد على الرجل المغامر، تعرض لضغوط شديدة من قبل المسؤولين، صودرت أعداد كثيرة لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء، رغم وجود رقيب على المطبوعات التى لم تمنح ترخيصا مصريا، لم يتدخل فى عمل رئيس التحرير الموهوب، ولم يعترض على اختياراته. كان قريبا من مبادئ حزب الوفد الليبرالية قبل أن يزيفها البيزنس، وكان فى ظهره الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحامين، نجحت الدستور فى خلق حالة مبهجة فى الصحافة المصرية، لم تكن حسابات العاملين فيها قد بدأت بعد، كانت تعبر عن الخلل الذى أصاب المجتمع بعين طفولية، وبشرت بأصوات رائقة وبإخراج فنى مختلف وقدمت لغة جديدة، واستكتبت أسماء من نجوم العمل العام لم يطلب أحد منهم الكتابة للصحافة من قبل، الذين قدموا صورة طازجة عن مصر الأخرى، وكان الأستاذ عصام مزهوا بوجوده فى المكان، أغلقت الدستور، ودخل فى مشاريع أخرى، وعانى من المرض فى سنواته الأخيرة، وبقيت صورته الأولى الطيبة البشوشة عالقة فى ذهنى.. رحل أمس الأول، ألف رحمة ونور عليه.