وقت أن تحدثنا عن حق المواطن فى عدم اقتحام حياته الشخصية، وفى وجوب مكافحة الإعلام الفضائحى، وحول دور المواطن العادى فى حماية خصوصيته هو أولا، قبل خصوصية الآخرين، خرج علينا بعض الجهلاء ليقولوا: أيوه.. أنتو مش عايزين حد يفضحكوا يا نوشتاء الغبرا.. افضح يا بطل!
طيب يا ولاد.. البطل، الذى اعتاد فى قناته استضافة البرامج الفضائحية، تسبب لأبرياء فى إلصاق تهمة مخزية بهم، ولم يكتف بإذاعة برنامجا يقذف الناس فى أعراضهم بالباطل، بل أذاع صور الناس وقد تم القبض عليهم، وقضوا أياما فى الحجز ينكل بهم ويضربون، سواء من الضباط أو المسجونين، وأخيرا، ظهر تقرير الطب الشرعى ليبرئ ساحتهم من ممارسة الفجور، وشكرا أخذتم براءة، يالا روحوا!
يروحوا فين؟
هؤلاء المساكين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، يقطنون فى أحياء شعبية، حيث إن الجار يجلس فى عب جاره حرفيا، ومهما برأتهم المحكمة، فستظل هذه التهمة ملصقة بهم، هناك من ألقيت دبلة الخطوبة فى وجهه، هناك من فصل من عمله، هذا بخلاف «المرمطة» فى الأقسام، وليس هناك ما يمكن أن ينقذهم من نظرات الجيران، و«تلقيحات» البقال والمكوجى والميكانيكى كلما مروا من أمام محالهم سوى أن يرحلوا من مساكنهم ويبحثوا عن مسكن آخر فى حى آخر، ولو أن قصتهم عرفت فى الحى الجديد لما سلموا من ألسنة الناس وسخريتهم ونظراتهم. ما هو التعويض الذى يمكن أن يحصل عليه هؤلاء الضحايا بعد هذه الفضيحة الظالمة فى مجتمع متخلف كالذى نعيش فيه؟ من الذى سيقبل بنسبهم؟ من الذى سيقبل بمجالستهم على المقهى؟ من الذى سيرضى بتوظيفهم إذا ما عرفت تلك الفضيحة لدى صاحب العمل؟
ونحن هنا فى مصر، لسنا فى ألمانيا، بقول آخر، لو أن هؤلاء الأبرياء ساروا بنسخة من حكم البراءة فى جيوبهم ليطلعوا عليها المارة لما صدقهم أحد، سيظلون موصومين إلى الأبد بهذه التهمة. هؤلاء الأبرياء الفقراء ليسوا نشطاء، وليس لهم لسان، وليس لهم ظهر سوى الله، ولا يملكون مالا ولا سطوة ولا يعرفون ضابطا يمكن أن «يكلم لهم» المجتمع ليرحمهم، الفقراء فى مصر ليس لهم سوى سمعتهم، بها يتكسبون قوتهم، وبها يتزوجون، وبها يعيشون وسط جيرانهم، لا يبقى لهم سوى «السيرة الحلوة»، يقضون حياتهم كلها فى بناء هذه السيرة الحلوة، ليأتى بعض الإعلاميين الذين يتقاضون الملايين سنويا ويهدمونها بمنتهى الخسة، ولم؟ لأنهم وجدوا أذن صاغية.
عدم اللامؤاخذة بالبلدى، لو أن الإعلام يعلم أنه يخاطب جمهورا محترما سيستهجن انتهاك حياة الناس لما أقبل بنهم على تقطيع جلود الناس وأكل لحومهم. القنوات الفضائية لا ترغب فى شىء سوى فى المكسب المادى، وأنت، عزيزى المواطن، الذى تشاهد، وتستمتع، وتشجع على هذا الفجور، رأس مالهم الذى يتربحون من خلفه، ولو أنهم يعلمون أنك ستعاف وجبة لحوم البشر التى يقدمونها لك لانصرفوا عن هذا المسلك، لكنك تنصت بشغف لمكالمات مسجلة بدون إذن نيابة، وتشاهد بسعادة تسجيلات مصورة لأناس لا تعلم عنهم شيئا ولم يؤذوك فى شىء ولم تتأكد إن كانت حقيقية أم مفبركة، تشارك فى ظلم الناس وقذفهم بالباطل، وتستزيد، فيزيدك الإعلام الذى يرغب فى المال، حتى تجد نفسك فى يوم ضحية لتلك الافتراءات، وصاحب الحمام المسكين الذى تم اتهامه بالباطل، ما الذى يمكن أن يفعله الآن؟ من سيدخل حمامه بعد هذه الفضيحة؟
مبسوطين دلوقت؟ الناس بيتها اتخرب وعيشها اتقطع وسمعتها راحت ومش حترجع مهما حصل، انبسطوا... انبسطوا وانهشوا فى الناس كمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة