سعيد الشحات

بين «الحب فى المنفى» و«واحة الغروب»

الإثنين، 19 يناير 2015 07:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت أمس الكتابة عن الروائى والكاتب الكبير بهاء طاهر بمناسبة عيد ميلاده الثمانين، أمد الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية، وأستكمل.

تظل راوية «الحب فى المنفى» أيقونة إبداعات بهاء طاهر فى مرحلة الغربة، حيث خرج مضطرا إلى جنيف للعمل بعد أن تم فصله من الإذاعة فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، أثناء حملة الهجوم المنظمة على جمال عبدالناصر وكل من يمثله فكرا وحركة، وكانت هذه الحالة السياسية بكل ما حملته من هزيمة للحلم هى المناخ الحزين الذى هيمن على «الحب فى المنفى»، وحين صدرت عام 1995 استقبلها النقاد والقراء بحفاوة بالغة، وكان ذلك نوعا من الحنين إلى زمن «غنى فيه راديو القاهرة لشعوب كالبشائر تنبت الأزهار فى قلب المجازر»، غنى لبورسعيد فى المقاومة ضد العدوان الثلاثى 1956، ولشعب الجزائر فى مقاومته للاستعمار الفرنسى حتى نال استقلاله عام 1962، وغنى لشعب الملايو، كانت الصحف تقول: «إن انتصار الناس فى أى بلد يعنى الحرية لنا»، وبالتالى كان البكاء شاهدا على اغتيال لومومبا زعيم الكونغو على يد البلجيكيين وأعوانهم، ومعبرا من صديق حين يسمع قصيدة: «الأطفال فى بلدى يموتون جوعا، والأسماك فى البحر تشرب القهوة».

تجمدت الدموع بعد ذلك، ولم تعد تسيل حزنا على الشهداء، أو تحسرا على الكرامة، وإنما بسبب إدمان النظر إلى التليفزيون، هكذا كانت محنة الجيل الذى عاش الحلم مع جمال عبدالناصر، كما يتحدث بهاء طاهر عنه ببراعة فى «الحب فى المنفى»، وهى الرواية التى طاردتنى حين قرأت راويته «واحة الغروب» الصادرة فى 2007، حتى أغرتنى تلك المطاردة بالبحث عن أوجه المقارنة بين الروايتين، وشمل كتابى «ذكريات عشناها وأحلام مشيناها» تلك المقارنة.

فى الروايتين، غدر، هدر، حب، خيانة، أحداث تاريخية نهايتها عكس بداياتها، ولأن بهاء يمتلك براعة كبيرة فى اختياره الدائم للحظات المفصلية فى تاريخنا لينسج من خلالها عالم حكاياته، فإنه يقفز أكثر بهذه البراعة فى الروايتين اللتين اختار لهما حدثين بارزين فى تاريخ مصر المعاصر، كانا بمثابة محطتى التوزيع للسرد الروائى فيهما، فمن الأحلام العريضة التى تولد مع ثورة يوليو 1952 وجمال عبدالناصر، والانكسارات التى حلت بعد رحيله جاءت «الحب فى المنفى»، وجاءت «واحة الغروب» من الثورة العرابية بزعامة أحمد عرابى، ومع فشلها الذى أدى إلى الاحتلال البريطانى عشش الانكسار فى النفوس.

البطل فى «الحب فى المنفى» هو «الراوى» الذى يعبر عنه بهاء بضمير المتكلم، ويبدو وكأنه «الضابط محمود» فى رواية «واحة الغروب»، فكلاهما من قماشة واحدة رغم أن قرنا كاملا يفصل بينهما، عاش الاثنان بإيمان مع ثورة وتفاعلا معها، وانكسرا مع ضياع أهدافها، ورغم أن البيئة الجغرافية للروايتين ليست واحدة، فـ«الحب فى المنفى» ينطلق مسرح أحداثها من أوربا، و«واحة الغروب» من «واحة سيوة»، إلا أن الغربة عن الزمان والمكان والنفس تبدو أقرب إلى القواسم المشتركة للشخصيات اللاعبة على مسرح الروايتين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة