سمعت كثيرا من الخطباء والفقهاء والشيوخ فى الفترة الأخيرة كرد فعل على حادثة شارلى إيبدو التى هزت العالم، استدلالهم بقصة شهيرة ومعروفة جدا كنا نسمعها ونحن صغار فى المدرسة، القصة تقول إن يهوديا كان يرمى القمامة عند باب الرسول «ص» كل يوم، وفى أحد الأيام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته ولم يجد القمامة وافتقد هذا اليهودى وذهب لزيارته فى بيته يسأل عنه لأنه سمع أنه مريض. وهذه القصة السمحة النبيلة كانت تذكر كدليل على سماحة النبى حتى مع أشد خصومه،هذه القصة باتت من الثوابت، ولو سألت أى مسلم عنها سيقول لك إنه يعلم هذه القصة جيدا ويذكرها لأولاده وأحفاده، وكثير من المثقفين أيضا يحفظون هذه القصة عن ظهر قلب، ومنذ عدة أيام كنت أشاهد إبراهيم عيسى فى برنامجه وكان معترضا على تصريح دار الإفتاء عن تحذير جريدة شارلى إيبدو عن نشر رسوم جديدة مسيئة للرسول، وكان الأجدى بهم تجاهل الموضوع والاقتداء بالرسول وتسامحه فذكر أيضا هذه القصة الشهيرة.. «حتى إبراهيم عيسى!» وفى إحدى المناقشات على مواقع التواصل الاجتماعى ذكر أحد المشاركين أن هذه القصة وهمية ولا أساس لها من الصحة فاندهشت جدا ، لم أصدق بسهولة ما قاله الصديق على شبكة التواصل الاجتماعى وقررت البحث والتنقيب بنفسى فبحثت فى كل المصادر الإلكترونية فى كتب الفقه والسيرة والأحاديث والروايات الموثوق منها وغير الموثوق لم أجد مطلقا أى مصدر يؤكد هذه القصة، بل هناك مواقع لبعض الشيوخ والعلماء تنكر هذه القصة من أساسها! الخلاصة أن هذه القصة مدسوسة ووهمية وخدعة انطلت على الجميع، والقصة الأقرب لهذه الرواية هى: روى البخارى فى صحيحه: عن أنس: أن غلاما يهوديا كان يضع للنبى صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم يا فلان قل لا إله إلا الله فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه فأعاد عليه النبى صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه، فقال: أبوه أطع أبا القاسم، فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذى أخرجه بى من النار.
وعلى النقيض من هذه القصة غزت شبكات التواصل الاجتماعى تضامنا مع قاتلى مذبحة إيبدو روايتين الرواية الأولى ثابتة فى صحيح البخارى عن مقتل كعب بن أبى الأشرف: عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله. قال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله يا رسول الله؟ قال: «نعم». ورغم أن هناك تبريرات فقهية كثيرة لهذا القتل مثل إعدام الدولة للجواسيس سواء مقنعة أو غير مقنعة فمن الممكن أن يكون قتلة إيبدوا أخذوا شرعية القتل من البخارى بموجب هذا الحديث.رواية أخرى «أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبى صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهى ويزجرها فلا تنزجر»، فقتلها.. ولما وصل ذلك إلى الرسول فقال: ألا اشهدوا أن دمها هدر «مما يعنى مباركة القتل» رواه أبوداود، وقال عنه الألبانى: صحيح، فى كتابه.الموروث الدينى خطير جدا وبه قصص وروايات مذهلة وبعضها خطر على البشرية. هل نجد جيفارا إسلاميا جديدا يتصدى لذلك؟ هل من ابن رشد جديد؟ هل من نصر حامد أبوزيد؟ القضية تحتاج لقلب الأسد ولم نعد نرى قلب الأسد فى حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية.. التفكير النقدى الشجاع أصبح عملة نادرة الوجود.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة