«1»
«الأولون يعرفون أكثر».. تلك قاعدة يمكن إثباتها فيما يلى:
من شباكه البرزخى يشاهد عبد الرحمن الكواكبى كتابا وسياسيين وحزبيين ومذيعين وهم يقرأون الوِرد اليومى الخاص بأن انتقاد السيسى أو الحكومة أو مراقبة أدائها فى ظل الظروف الصعبة خيانة، «مش وقته الحديث عن أخطاء الداخلية، وليس موعده الحديث عن أخطاء محلب أو التعرض لأداء الرئيس».
يشاهد الكواكبى ويسمع تلك النغمة السائدة، فلا يجد سوى صفحة من كتابه طبائع الاستبداد ليقرأ منها التالى: «من الأمور المقررة طبيعةً وتاريخياً أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفى خدمتها إحدى الوسيلتين العظيمتين: جهالة الأمة، والجنود المنظمة».
«2»
من نفس الشباك يطل الكواكبى مجددا ليرى المئات وهم غاضبون من أى وجهة نظر تقول بضرورة كبح جماح التطبيل والنفاق الذى يمارسه عوام أهل الإعلام وعوام أهل الشارع بمنح السلطة «كارت أخضر» أو توكيلا عاما لكى تتصرف كما تشاء..
يشاهد الكواكبى ذلك الغضب غير المفهوم من دعوات الحذر من العوام الباحثين عن المكسب اللحظى دون النظر إلى توابع ذلك فى المستقبل ويقرأ لنا من «طبائع الاستبداد» قائلا: «العوام هم قوَّة المستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم، فيتهللون لشوكته، يغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغرى بعضهم على بعض، فيفتخرون بساسته، وإذا أسرف فى أموالهم يقولون كريما، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة».
«3»
ومن شباك قبر مجاور يطل علينا الإمام محمد عبده ويشاهد بحزن كبار المسؤولين والوزراء وهم يقولون للناس كلاما ويفعلون عكسه فى الواقع، وهم يصدرون للناس وجوها تتحدث باسمهم بينما فى الخفاء وجوه أخرى مكروهة تعمل وتفعل غير ما يقول.
يشاهد الإمام محمد عبده ذلك ويفتح لنا من بين كتبه صفحة يقرأ منها التالى: «ذلك مهب البلاء على كل حاكم، ومنبع الشقاء لكل أمير: أن يتّخذ له عمّالاً فى الخفية غير الذين أقامهم على الأعمال فى الجهر».
«4»
ومن نفس الشباك يطل الإمام محمد عبده مجددا ليتابع كبار رموز الأحزاب السياسية وهم يطلبون الدعم والبركة من الرئيس المفترض فيه أنه منافسهم.
يشاهد الإمام محمد عبده ذلك ويقرأ علينا من أعماله قائلا: «الركن الذى تقوم عليه حياة الناس الاجتماعية، وما أصابهم الوهن والضعف والذل إلا بخلو مجتمعهم منه، هو: التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب، وما للشعب من حق العدالة على الحكومة.. أن الحاكم، وإن وجبت طاعته، فهو من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم، وأنه لا يرده عن خطئه ولا يوقف طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول والفعل».
«5»
لا يجلب عزف الجميع على نغمة واحدة السلطنة، بقدر ما يأتى بالملل، وإياكم وملل الناس من سيطرة الصوت الواحد.. فأى ملل لا يتبعه سوى غضب غير عاقل وتصرف غير مسؤول.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة