(حسوا بينا) هذه الكلمة لا تقال إلا لدولة أهملت رعاياها، ولا يتفوَّه بها إلا من ضاقت به الدنيا، وعجز عن إيجاد الضرورى دون الكمالى، ونعتقد أن الفئة التى طالما لهجت ألسنتها بهذه الكلمة هم المهمشون من أبناء المجتمع المصرى، الذى بدت فيه الطبقية تفرق بين مكوناته الاجتماعية، ناهيك عن الحقيقة المفجعة، التى يعرفها الكثير دون الإفصاح عنها، وهى أننا نمر بانتكاسة اجتماعية، ونتابع السير إلى الوراء بكل قوة فى الوقت الذى يتلاشى فيه المهمشون والمعدمون من أبناء الغرب إلى غير عودة.
فكان لهذا التراجع دور كبير فى زيادة الفجوة بين الناس، وإن شئت فقل وجدت طبقتين الأولى تتمتع بثراء فاحش، بلْ خرافى، وفى المقابل وجدت الطبقة التى تعانى الأمَرين، فقط فى سبيل الحصول على لقمة عيش، حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة، وإن كانت لا ترغب فى الحياة من الأساس!! لذا فلا نعجب من كثرة حالات الانتحار، التى ظهرت مؤخرًا، فبلغ إلى مسامعنا أن أحد المنتحرين أقبل على فعل هذا الأمر الشنيع، لأنه عجز عن توفير مبلغ للزواج، بلْ لم يستطع أن يوفر إيجار الشقة التى يسكن فيها، ورغم علمه بأن الانتحار مُحرَّم فى جميع الأديان، وجد نفسه ضحية الدولة، التى لم تشفق عليه، وتأخذ بيده، فقرر الانتقام لنفسه بشنق نفسه!
وفى الواقع أشعر بالخجل والحياء وأنا أكتب عن الفئات التى لم تجد من (يحنو عليها أو يرفق بها) ومع طلوع شمس كل يوم، يزداد هؤلاء تعاسة وشقاء، وفى المقابل تزداد معاناتهم وسخطهم على السلطة، ولا يمكن إرجاع الأمر إليهم، لأنهم ببساطة لم يجدوا عملًا فيعملوا، فهل خطر ببالك أن معدلات البطالة تزداد عامًا بعد عام، فبلغت نسبتها فى العام المنصرم 2014م حسبما أعلن (الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء) 13.3%، بينما ترجعها بعض الجهات غير الحكومية إلى أعلى من ذلك بكثير، بأن معدل البطالة يتجاوز 25% وربما هذا الرقم هو الأقرب للصواب.
وليس محور حديثنا البطالة، بقدر ما هو تسليط الضوء على من يتحوَّلون من قوة فاعلة إلى مُهمشة، وسرعان ما ينتهى بها المطاف فى سلم الانحراف الطويل، وفى هذا السياق لا نستطيع أيضًا أن نحصى عدد الفئات المهمشة، فإذا حدثتك عن عمال الأرصفة، وانحدرت بك إلى الزبالين، وعرجت بك الى أطفال الشوارع.. ناهيك عن الذين يلقون بأنفسهم فى عرض البحر بحثًا عن مستقبل خيالى، فضلًا عن عشرات من هذه الفئات لا تنظر إليها الدولة، ولا يهمها أمرهم.
وإذا كنا نطرح قضية غاية فى الأهمية، وتحتاج إلى معالجة فورية، لا ننسَ أنَّ هناك متهربين من الضرائب ولصوصًا يسرقون قوت الشعب الغلبان، ويضعون أموالهم فى بنوك الخارج – تحت أعين السلطة- فلا استفادت بها الدولة، ولا هم دفعوا ما عليهم، فلو استثمرت هذه الأموال لصالح الفئات المهمشة لتغيرت أوضاعهم وخف غضبهم على تلك الدولة.
وبعيدًا عن الكلمات الحماسية والرنانة، التى لا جدوى ولا طائل منها، نجد أن مشكلة الفئات المهمشة باتت مزمنة بحق، فسكان العشوائيات رغم الضجة الإعلامية الكبرى التى نادت بتطوير مساكنهم، التى تشبه مساكن "أقنان أوروبا" فى العصور الوسطى، سرعان ما انخفض صوتها فى زحمة الأحداث، ويبقى السؤال الحقيقى والمؤلم، من يستطيع أن يلتفت إلى هؤلاء؟ ومن تقع عليه المسؤولية الفعلية؟ فيعمل على حل مشكلاتهم، ومن ثم لا تسمع تلك الكلمة الصداحة حسوا بينا.
أليس من حق هؤلاء أن يتمتعوا بالحرية والعيش والكرامة!! أليست هذه المبادئ، التى طالما سمعناها على مدار أربعة أعوام؟!!
شاب شنق نفسه
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة