نعم نحن المسلمين الجناة، أول من أساء إلى سيرتك وسنتك وللدين القويم الذى جئتنا به، ما فرطت وما بدلت، تركتنا على المحجة البيضاء، لكن سواد قلوب لم تحبك بقدر ما أحبت الملك والرئاسة، حولت الدين إلى طقوس ورسوم بعدما أفرغته من مضمونه الأخلاقى القيمى الحضارى، فلم يعد يذكرنا أو يذكر العالم بشىء له قيمة تقدر أو تحترم، بعدما تحول لدى البعض إلى مطية للوصول للحكم، وتحول لدى الآخرين إلى وسيلة لابتزاز المشاعر والمتاجرة بها. كل دين فى النهاية يصنع صورته أتباعه، وبقدر استقامتهم على أحكامه وتجسيدهم لها بصدق بقدر ما يحظى هذا الدين وأتباعه بالتقدير والاحترام، فماذا فعلنا نحن بالبداية؟ قبل أن ندعى عداوة من جهلوا حقيقة ديننا، بعدما لم يطلعوا إلا على الزيف الذى جسدناه عبر قرون إلا ما رحم ربك.
قامت الدنيا ولم تقعد لرسوم رسمها بعض الجهلاء فى مجلة فرنسية تسمى شارلى إبدو، لم تكن توزع أكثرمن 20 ألف نسخة قبل أن يتطوع بعض الحمقى ممن يدعون نصرة النبى بحرق مقرها مرة فى العام 2011 ثم بقتل 10 من الصحفيين العاملين فيها فى مطلع هذا العام، لتتحول تلك الصحيفة الفارغة بفعل الدعاية الضخمة التى مارسناها إلى صحيفة ملء السمع والبصر ويرتفع توزيعها إلى ثلاثة ملايين نسخة.
بالله عليكم أيها الحمقى يا من حرقتم الصحف وقتلتم صحفيين، هل نصرتم دينكم أو نبيكم بهذا الفعل هل كفيتموه المستهزئين، وقد وعده الله تبارك وتعالى بقوله «إنا كفيناك المستهزئين» هل انشغلتم بنصرة حقيقية للنبى فى أنفسكم أولا، فجسدتم بالحال وليس بالمقال سيرة نبيكم الذى مدحه ربه بقوله «وإنك لعلى خلق عظيم»، هل تمثلتم قوله صلى الله عليه وسلم ووصيته لكم «كونوا بين الناس كالشامة تعرفون بأخلاقكم» هل تبينتم ما هى قيم هذا الدين المركزية من رحمة وبر وقسط وتسامح، كيف استبدلتم بقيم الدين وأحكامه سخائم صدوركم ورزايا عقولكم، فشوهتم دين الفطرة وأسأتم لصورة نبيكم ودينكم.
أمركم ربكم بالوحدة وعدم التفرق قائلا: «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» فتمزقتم شيعا ومذاهب وأحزابا فتفرق حتى أبناء المذهب الواحد، وانطلقت حمى التكفير تعصف بالجميع فاستبيحت الدماء والأموال والأعراض، تأملوا من يحارب من فى العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن وعلى ماذا يتقاتلون وهم أبناء دين واحد وعرق واحد ولغة واحدة، كيف تحولت كل مقومات الوحدة بينكم إلى أسلحة للفرقة والقتال؟
كلكم تدعون نصرة الشريعة الإسلامية فما هى مقاصدها التى حققتموها؟ وأيهما يتسق أكثر مع مراد الله ومقاصد شريعته؟ أحوال الأمم الغربية التى تقدمت فى كل المجالات وحققت لبنيها الرفاهية والعدل الاجتماعى والرخاء، أم أنتم يا من جلبتم لأمتكم العار والخراب والفرقة هل قتل النفس والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس واستحداث حدود ما أنزل الله بها من سلطان من مقاصد الشريعة لديكم؟هل تبديد الأموال فى الحرب والتأمر على أنفسكم والإساءة إلى مصالحكم لحساب الأعداد من حفظ المال الذى حثكم ربكم على حفظه والحذر من أن يكون دولة بين الأغنياء منكم؟هل انتشار الأمراض الجنسية والتردى الأخلاقى فى مجتمعاتكم بفعل الفقر الذى لم تكافحوه بالأساس وانشغال الدعاة بالمنافسة على الحكم من قبيل حفظ النسل كمقصد من مقاصد الشريعة؟ هل لكم عقول بالفعل عملتم لحفظها كما أمركم ربكم ام أهنتموها بإهدار مناهج البحث العلمى والإصرار على الاستسلام للخرافات ولعقول السلف الذين لم تتشبهوا حتى بمنهجهم الحقيقى؟ هل حفظتم الدين أى صورة حفظتموها وقد أصبح ما تقدمونه للناس من دين راية خراب ودمار لكم وللعالم، هل نزل الدين ليطلقها حامية الوطيس إلى قيام الساعة لا تبقى ولا تذر؟ هل ديننا دين موت أم دين حياة كيف إذن جعل الله القصاص حياة وقال عن النفس البشرية الواحدة «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
أيهما يرضى الله ورسوله عنكم؟ غضبتكم العارمة فى وجوه حمقى لم يروا منكم سوى الحماقة والتخلف، أم المضى فى بناء الحضارة وتقديم النموذج الذى حثكم عليه دينكم الذى أمر بكل خير ونهى عن كل شر، أمركم ربكم بإعداد القوة فى كل المجالات ليس المجال العسكرى فقط بل جعل القوة العلمية هى مدار الأمر ومنطلق التغيير، وحث على طلب العلم والنبوغ فيه «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع» أين نحن فى مجال التقدم العلمى والبحث؟ كم كتاب نطبع ونقرأ الإجابات مخزية وتشعر المرء بالهوان.
لما لا تنطلق طاقة الغضب لديكم إلى ميادين العمل والإنتاج وإحسان العمل وإتقانه بديلا عن ارتفاع الحناجر بالهتاف والسباب، الذى حذرنا منه النبى صلى الله عليه وسلم حيث أمرنا بالإحسان فى كل حال.
قدموا من أنفسكم القدوة تأسيا بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى عدله ورحمته وسماحته وسائر خلقه، كانوا فى السابق يسمونكم المحمديين فماذا يسمونكم الآن؟ وهل تصح التسمية الآن بحال أين أنتم من أخلاقه وسجاياه؟ كم عزيز على نفسى أن تأتى ذكرى ميلادك يا سيدى يا رسول الله، وأمتك على هذا الحال مشتتة مضيعة أضيع من الأيتام على موائد اللئام، بأسها بينها شديد حقوقها مضيعة بيدها هانت على نفسها فهانت على كل الدنيا، لم تقدم منذ قرون ما يستدعى الذكر أو الفخر، أخبار بنيها ودولها مادة فى صفحات الحوادث حيث تراجع إسهامها لتصبح مادة الجريمة الخام. لم يتجاسر بعض الغرب على إهانتك إلا بعد أن أهانك جل أمتك يا سيدى يا رسول الله، وما أظن القوم يفعلونها لو أحسنت أمتك الاقتداء بك والاستقامة على ما تركته لنا من ذكر ووحى، طبت حيا وميتا وعليك صلاة الله وسلامه فى ذكرى ميلادك ورزق الله هذه الأمة الرشد والحكمة لتدارك الأمر، وإعادة تجسيد الدين المنزل بعدما شقينا بمظاهر الدين المبدل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة