فى مثل هذه الأيام منذ أربع سنوات، كانت بلدنا على أعتاب حدث عظيم بكل المقاييس، حدث أيقظ داخل المصريين الكرامة والعزة بعد طول امتهان، وأزال من قلوبهم الخوف الذى دفعهم طوال عقود للمشى جنب الحائط وإيثار السلامة من بطش أمن مسيطر وحكام يديرون الأمور على هواهم لا يراعون مصلحة الشعب ولا أولوياته، حتى انفصل الشعب عنهم وتركهم فى فلكهم يعمهون.
فى مثل هذه الأيام منذ أربع سنوات، كان المصريون على موعد مع الثورة على التهميش والفقر والمرض والعشوائية والطغيان وسيطرة رأس المال على الحكم والإفساد المنظم، الثورة على اليأس الذى دفع الناس إلى الهجرة بصورة شرعية أو غير شرعية حتى لو كان الموت هو المصير، فقد ضاق عليهم وطنهم على رحابته، وأصبح الاغتراب اللغة الرسمية لدى عموم الغلابة والمواطنين الذين لا ظهر لهم ولا سند، أو لا يجيدون اللعب بالبيضة والحجر.
لم يدرك المصريون فى الأيام المجيدة من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، أنهم يشعلون ثورة يتابعها العالم كله، أو أنهم أصبحوا مصدر إلهام لكثير من المستضعفين والمقهورين والرازحين تحت حكم الديكتاتورية والفاشية والتسلط، كان للمصريين هدف واحد بسيط وواضح، هو التعبير عن غضبهم من حكم لا يمثلهم، ومن فساد ضاقوا به ومنه، ومن أحلام لا يجدون أفقا لتحقيقها ،وهكذا خرجوا فى الميادين يرددون العبارات الحماسية ويرفعون مطالبهم فى لافتات وملصقات أو يرددونها فى أناشيد حماسية.
كان المصريون يريدون كنس نظام الموت البطئ لصالح الأمل فى غد أفضل، ومثل كل الثورات المثالية، ظن الثوار من عموم الناس فى ميادين التحرير، أن كل من يهتف هتافهم أو يتقاسم معهم الطعام شريف ومثالى وثائر لوجه الله والوطن، لا علاقة له بالفساد والفاسدين، ولا ينتمى للإرهاب، ولا يتاجر بالشعارات منفذا لأوامر قادته الذين يديرونه كترس فى ماكينة، وعندما سقط النظام أخيرا وظهر على الشاشات فى الميادين عمر سليمان بنبرة صوته الحزينة يعلن تنحى مبارك، انطلقت صيحات النصر من الحناجر، واكتشف الثوار أنهم يستطيعون تحقيق النجاح الكبير بأيديهم العزلاء وهتافاتهم النبيلة.
وبالفعل، عندما أيقن عموم الناس البسطاء أنهم أسقطوا نظام مبارك، شرعوا فى تنظيف الميادين وإعادة طلائها ومغادرتها إلى أعمالهم، إلى تحقيق الأمل، إلى وداع الألم، إلى الغد الثورى الأفضل، لكنهم كانوا على موعد مع مفاجأة ساحقة، جعلت من حلم الثورة النبيل أكبر تراجيديا فى عصرنا الحديث.. ماذا حدث ومن سرق الثورة؟
وللحديث بقية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة