لا أعرف لماذا أشعر دائما أن بعد الضيق فرجا ومخرجا، دائما كنت واثقا أن الغد أفضل، كان كثيرون قد اعتقلوا فى عام 1981 بعد مقتل السادات وكانوا كما كنت شبابا صغارا لا خبرة لهم بالحياة فضلا عن مؤسسات القمع فى المجتمع، وبالطبع منها السجون. كنت فى زنزانة انفرادية فى الدور الأرضى بسجن الاستقبال وكان عمرى لم يبلغ بعد أربعة وعشرين عاما، وكان إلى جوارى مباشرة القيادى الإخوانى عصام العريان، كنت وهو جئنا على التو من سجن القلعة وحدنا ووضعنا إلى جوار بعضنا فى زنازين انفرادية ظلت مغلقة علينا لشهور عدة، كان الخوف يملأ المكان، والشباب الفطرى بطبعه لا يعرف كيف سيتقرر مصيره، وأمن الدولة بصراحة فبركت تنظيماً كبيراً جدا له هياكل وأنا على رأسه، ولم يكن لى أى علاقة مباشرة أو تنظيمية بمعظمهم، فكنت أسعى لطمأنتهم وتأكيد أن الفرج قادم وأنهم سيذهبون إلى دورهم وأهليهم، بعد عام تقريبا من تلك الاعتقالات، بدأت الإفراجات عن المعتقلين عشوائيا، فقد كان كثيرون معتقلين لأنهم قابلوا شخصا أو تعرفوا عليه فى الطريق أو كانوا جيرانا له أو كانوا زملاء له، أو كانوا أصدقاء له، وكنت واحدا من هؤلاء.
إحدى القيم المهمة التى أرستها ثورة يناير أن السجون والمعتقلات والمظلومين والظلم هى الجسر الواصل بين السماء والأرض لنصرة المظلومين والانتصار للمستضعفين وكسر ظهور الجبارين والمتكبرين، فكم من دول ذهبت لأن حكامها كانوا ظلمة، فكما قال ابن خلدون «الظلم مؤذن بخراب العمران»، وكما قال ابن تيمية «إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الدولة المسلمة الظالمة»، تلك قاعدة فى الحكم والاستخلاف والعمران وهى سنة من سنن الاجتماع وهى ماثلة أمامنا اليوم، فمن كان يظن أن الله سيضع مبارك وأبناءه فى السجون!!
«إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وأداء الأمانات إلى أهلها فى المسؤولية بمعنى أن أمانة المسؤولية التى فوض الناس فيها حكامهم ومسؤوليهم عليهم أن يقوموا فيها بالقسط والعدل، وأن يكون الحكم بالعدل أى بالميزان الذى لا تشيل كفة منه لهوى أو لمزاج أيديولوجى أو شخصى أو خلاف سياسى، فمن يكون للمغلوب إذا دعت الغالب قدرته على ظلمه، ومن يكون للمظلوم إذا دعت الظالم قدرته على ظلمه؟ هنا تتحول الحياة إلى معنى بشع وصعب وتفقد المعنى للطرفين معا، للمظلوم وللظالم معا، إحدى قيم ثورة يناير هى تأكيد أن الغالب حتى لو أغرته السلطة أو اللحظة أو السطوة أو النفوذ أو السيطرة فليس معنى ذلك أن تمضى الأمور كما يريد، فى ذكرى ثورة يناير الرابعة نقول بملء فينا «ارفع راسك فوق أنت مصرى» هذا الهتاف الرائع الذى أعطانى معنى مهما لانتمائنا لوطننا، نريد أن يظل ذلك الشعور بالعزة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والإنسانية- الذى منحتنا إياه ثورة يناير- قويا لا يموت فينا، وكما كنت مؤمنا بحتمية التفاؤل والشعور بالأمل وأن الغد أفضل وأن الأجيال التى قامت بثورة يناير من حقها أن تظل رافعة رأسها قوية باعتزازها بوطنها وبأن المستقبل لها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة