أحمد الجمال

مصر والسعودية والتحدى الكبير

الثلاثاء، 27 يناير 2015 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أؤجل استكمال الرحلة الأمريكية لفترة مقبلة، حيث الأكثر إلحاحًا الآن هو مصر والوطن العربى.. أو مصر والسعودية تحديدًا بعد رحيل الرجل العروبى الأصيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز!.. ولأننى أخص «اليوم السابع» بنوع من الكتابة يتجاوز اللحظة الراهنة كحدث سياسى إلى أعماق وآفاق قد تبدو بعيدة فى نظر البعض، ولكننى أظنها فى صميم الشأن السياسى بالمعنى الجامع للسياسة، فإن مقال اليوم قد تكون فيه بعض الأعماق.

وربما يعرف البعض أن علاقة مصر بالجزيرة العربية - خاصة الجزء المحاذى للبحر الأحمر من شماله إلى جنوبه - تتجاوز العصور الحديثة، والوسيطة والقديمة إلى ما هو أبعد من ذلك.. أى إلى مراحل ما قبل التاريخ المكتوب، خاصة مرحلة الهجرات البشرية الكبرى! وهنا يذهب بعض علماء الأنثروبولوجى إلى أن أصول من سكنوا وادى النيل، وتمددوا إلى الدلتا تعود إلى عدة هجرات بشرية كبرى كانت إحداها من جنوب الجزيرة، حيث عبرت مضيق «باب المندب» واختلطت بالأجناس الحامية بالهضبة الإثيوبية والقرن الأفريقى، وهبطت مع النهر إلى الشمال.. والهجرة الثانية كانت من شمال الحجاز مضت شمالا إلى بادية الشام، وانعطفت باتجاه مصر ودخلتها من الشمال الشرقى.. وكانت الثالثة من سكان هضبة التبتسى فى غرب مصر، أى لوبية كما كانت تسمى فى الخرائط القديمة، واندمجت تلك الهجرات فكان سكان مصر.

ثم ربما يعرف البعض أيضا أن ثمة تداخلا حضاريًا ثقافيًا استمر بين مصر والجزيرة العربية، حيث عبدت الربة إيزيس فى بلاد الحجاز باسم عزى.. وكانت عبادة الأنثى منتشرة، لأن اللات والعزى ومناة ثلاثتهن إناث كإيزيس التى لو حذفت النهاية اليونانية من حروفها لأصبحت «إز» أو «عز»!، كما كان الثالوث منتشرا ومشتركا كذلك! ويرى باحثون أن تقديس الأنثى أى «الرحم» تجسد فى شكل مفتاح الحياة المصرى، إذ يفسرون الشكل الدائرى أو البيضاوى الذى يعلو مفتاح الحياة بأنه تجسيد للرحم فيما الأعضاء التناسلية للرجل تتجه للأسفل وعلى الجانبين! ثم كان من قبل ومن بعد ذلك التصور المصرى القديم لما بعد الموت من بعث وحشر وحساب بثواب أو بعقاب ومن عدل، وباستمرار كان القلب هو محل الإيمان، لذلك كان الحساب للقلب! وهو ما احتواه الدين السماوى بعد ذلك.

ولم تكن مصادفة أن يحتدم الجدل والخلاف فى مصر حول طبيعة السيد المسيح، وعندما اشتد وحدث الانقسام بين طبيعة واحدة بشرية لا تخلو من سمات إلهية وبين طبيعة واحدة إلهية خالصة، كان الاتجاه الأول القائل بأن الله «الآب» جوهر مستقل لا يلد ولا يولد ولا يتجسد ولا يحل، هو الذى انتشر فى محيط مصر وانتقل إلى الشام والجزيرة العربية، وانتشر أيضا فى معظم قبائل الشمال الأوروبى، خاصة بين القوط بعدما ترجم القديس «أولفيلا» الإنجيل وفق الرؤية الأريوسية المصرية، لأن أريوس - وقد كان أسقفا فى كنيسة الإسكندرية - هو صاحب اتجاه الطبيعة البشرية، ولذلك كثيرا ما تردد أن «بحيرا» الراهب كان أريوسيًا، وهو من كشف حقيقة أن الصبى المرافق لأبى طالب فى القافلة على تخوم الشام هو نبى الأمة، وأن «ورقة بن نوفل» كان «أريوسيا»، وأنه عقد للرسول على السيدة خديجة وفق هذا المذهب، لذلك نلاحظ أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تتعدد زوجاته مع خديجة رضى الله عنها.. بل إن رسالة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى هرقل تضمنت فى بعض المصادر عبارة «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن لم تسلم فعليك إثمك وإثم الإريسيين» أى الأريوسيين أى الموحدين لله.. وقد حاولت أن أكتشف ماذا فهم العرب من لفظة «أريوسى».. فوجدت أن المفسرين يشرحونها على أنها «الفلاحين المصريين»! ووجدت فى لسان العرب تحت مادة «أرس» أنه كان يوجد فى مصر عبدصالح اسمه عبدالله بن أريوس!

وتمضى العصور والحقب ويدخل الإسلام مصر مع الفاتحين العرب الذين يحكى المؤرخون أن قائدهم استدعى البطرك فسأله البطرك «ما تقولون فى المسيح وأمه»؟! ويرد الفاتح العربى بحقيقة مكانة المسيح وأمه فى الإسلام.. ولذلك فإن أحد أوجه قبول بعض المصريين ثم توالى قبولهم بالدخول فى الإسلام كان هو الاتفاق «اللاهوتى» بين الأريوسية المصرية وبين العقيدة الإسلامية، فيما يتصل بذات الله سبحانه وتعالى وبطبيعة السيد المسيح.

وفى كل العصور - من بعد الفتح العربى - كانت العاصمة المصرية من الفسطاط إلى القاهرة مركزًا مع مكة والمدينة، ومعها دمشق وبغداد لعلوم الدين الإسلامى من أصول دين وأصول فقه وتفسير وحديث، بل ولعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وبيان وبديع وبلاغة وغيرها!

ولقد لفت نظرى فيما كنت أراجع وقائع حملة بونابرت على مصر «الحملة الفرنسية»، وكنت أطالع مصدرا مهما معاصرا للأحداث هو كتاب «عجائب الآثار» للمؤرخ المصرى المشهور الشيخ عبدالرحمن بن حسن الجبرتى - الذى هو بلدياتى من إبيار غربية - فوجدته يذكر أن القبائل العربية فى الحجاز، عندما وصل إليها خبر غزو الفرنسيس لمصر اجتمع شيوخها وقرروا جمع المال والسلاح والمؤن والرجال لإرسالها إلى مصر لمساندة المصريين فى وجه الغازى الإفرنجى الغاصب، وانطلقت السفن من ينبع إلى القصير تحمل كل ذلك، ثم إن الخبر وصل إلى اليمن متأخرا، ولتأخره وصلت السفن اليمنية تحمل المال والسلاح والمؤن والرجال متأخرة بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر!

فإذا جاء القرن التاسع عشر وحدث ما حدث بين الوالى محمد على بأوامر من الخليفة العثمانى وبين ابن سعود، الذى حاول أن يوحد نجد والحجاز وبقية الأنحاء، معتمدا على دعوة إصلاحية آنذاك، هى دعوة الموحدين التى أسس وأصل لها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولذلك اشتهرت باسمه؛ حدث الصدام الذى لم يكن بين مصر وبين تلك الدعوة، ولكنه كان بين الدولة العثمانية «دولة الخلافة» وبين من رأى فيه الخليفة العثمانى خارجا على الشرعية وكلف والى مصر بالتصدى للأمر وكان ما كان، ورغم ذلك ظلت مصر ترعى على مر العصور إعداد المحمل الشريف الذى تحمل فيه قوافل الإبل كسوة جديدة للكعبة المشرفة والزاد والمؤن لسكان مكة والمدينة والحجاز بوجه عام، ولم ينقطع طلاب العلم الشريف عن «المجاورة» فى الحرمين، ولم يتوقف المصريون عن الحج والعمرة، بل لم يتوقف كثير منهم عن التأصيل لنسبه، مؤكدا أن جدوده جاءوا من الحرمين الشريفين، أو أنه منتسب لأحد السبطين الطاهرين: الحسن أو الحسين ابنى الإمام على، كرم الله وجهه، وفاطمة الزهراء ابنة النبى، وحفيدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!

ومن محمد على إلى جمال عبدالناصر هناك محطات لن يتسع المجال للتأصيل لها والتفصيل فيها، وربما جاءت الفرصة لذلك فيما بعد، ولكن أستطيع الزعم بأن العلاقة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تراوحت بين الشد والجذب والصدام والوفاق، وأحيانا العداء والترصد، ولكن حكمها ما يرقى لأن يكون فى نظرى قانونًا تاريخيا مؤداه أنه ما من فترة حدث فيها الصدام والتقاطع بين مصر وبين السعودية إلا وكانت فيه خسارة لهما وللأمة بوجه عام والعكس صحيح، وإن اختلفت درجة صحته من مرحلة إلى مرحلة، وأتصور أن الحاضر والمستقبل لن يتحملا - وإن تعددت الاحتمالات - تمزقًا وفرقة بين البلدين، وأن يكون همهما الرئيس هو استرداد التكامل مع بغداد ودمشق بعد استعادتهما من براثن الفوضى المدمرة.

إننى أذهب إلى أن التحدى الكبير أمام السياسة المصرية ومتخذ القرار فيها هو الإجابة عن سؤال فحواه: كيف تلعب مصر دورها فى محيطها خاصة الدائرة العربية دون أن تصطدم بمتغيرات إقليمية ودولية تسعى لمحاصرة الدور المصرى أو هدمه من أساسه؟ ولقد حدث ذلك مع محمد على، ومع إسماعيل ومع جمال عبدالناصر.. أى بمعاهدة لندن 1840 وبالديوان والاحتلال، ثم بهزيمة 1967 التى كان قد رتب لها كما تبين فيما بعد!.. وربما يكون للحديث صلة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة