الملايين التى خرجت فى ميادين التحرير بالقاهرة والمحافظات تطلب غدًا أفضل، وأكثر عدلًا ورحمة، ظنت أنها أدت دورها مع غروب شمس 11 فبراير 2011، وانصرفت إلى أعمالها.. العامل رجع مرة أخرى لورشته ومصنعه، والفلاح عاد إلى أرضه يزرع ويحصد، والطبيب إلى المستشفى العام أو عيادته، والصيدلى إلى صيدليته يعالج الفقراء، ويصف الدواء لمن لا يملكون قيمة كشف الطبيب، والمهندس إلى موقعه الميدانى.. إلخ.
لم يشك الثوار الحقيقيون الذين نجحوا فى الإطاحة بنظام مبارك أن الغد لابد أن يكون أفضل، وأن الدماء التى سالت فى الشوارع، والتضحيات المبذولة لابد أن تنعكس على مجمل الحياة بعد 11 فبراير، وأن عهدًا جديدًا لابد أن يبدأ لنعيد بناء بلدنا الذى هدمه الفساد والفقر والتجهيل المتعمد والأمراض مع سبق الإصرار والترصد، لكنهم كانوا على موعد مع مفاجأة مأساوية.
أبواق عصر مبارك سرعان ما تحولوا مع التيار الجديد، وبدلًا من النفاق الكامل للعهد البائد أصبحوا هم المتحدثين باسم الثورة والثوار، والفاسدون الكبار إما هربوا بأموال البلاد المنهوبة للخارج، وأخرجوا لنا ألسنتهم، أو عادوا للمشهد من جديد، متحكمين فى مؤسسات البلد الاقتصادية، والوجوه السياسية العكرة توارت قليلا، ثم عادت بعد «نيو لوك» لتتحدث باسم الثورة.
جماعة الإخوان الإرهابية، وعبر قناة الجزيرة والقنوات المتطرفة التى انتشرت فى ظل الفراغ القانونى والأمنى، زيفت التاريخ، وركبت على الثورة، ومنحت أحد التجار المنتسبين لها وصف أمين الثورة، وآخر قائد الثورة، وثالثًا فارس الميدان، كما منحت لنفسها فضل إنقاذ الثورة من الضياع فى موقعة الجمل، وليلة 28 يناير وما بعدها، وروجت عبر أزلامها وأبواقها هذه المصطلحات المكذوبة، حتى صدق الناس أن «الإخوان» شاركت وضحت من أجل حلم التحرر والعيش بكرامة لعموم المصريين.
أيضًا، فوجئ صناع الثورة الحقيقيون بمجموعة تصف نفسها بـ «النشطاء»، تنتشر بين الفضائيات وكبار رجال الأعمال المشتاقين لاستمرار زواج السلطة بالمال، يفرضون أنفسهم باعتبارهم قادة الثورة، ويمنحون أنفسهم الحق فى الهدم والحرق والشغب والإساءة لأى أحد فى السلطة أو خارجها، حتى كره الناس الذين خرجوا وضحوا من أجل الثورة كلمة «ثورة» وتبرأوا منها.. وللحديث بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة