فى الأسبوع الماضى كتبت فى نفس هذا المكان، أنه حين يبدأ عرض الأفلام المصرية، فعلينا أن نتجه لمشاهدتها والكتابة عنها وتتوارى الأفلام الأمريكية مهما كانت أهميتها لأنها تحتل الساحة طوال العام، ولكنى مضطرة لأن أخالف ما كتبته فأنا ملزمة بالكتابة عن فيلم ليس مصريا لأن هذا ليس حديثا عن فيلم سينمائى، مجرد فيلم سينمائى، ولكنه حديث عن الحقيقة وكيف يمكن أن تتوارى بفيلم سينمائى، فلتنتظر السينما المصرية مهما كانت بحاجة لبقعة ضوء لأن الإقرار بالحقيقة والحق والتبصير بهما الآن محتاج لنا أكثر منها.
جلست فى دار العرض أشاهد فيلما أنتظره منذ شهور وأعشق عمل مخرجه، وهو كلينت إيستوود النجم الكبير الذى تحول للإخراج فحصل على تقدير فنى وجماهيرى يتساوى مع كل نجوميته وأكثر، الفيلم بعنوان American Sniper أو القناص الأمريكى، وهو مأخوذ عن مذكرات منشورة لصاحبه كريس كايل القناص الأمريكى الذى اعتبرته أمريكا بطل حربها فى العراق لأنه وحده قتل 255 بينهم 160 اعتبرتهم وزارة الدفاع الأمريكية خطيرين على وجودها هناك.
جلست أرقب الفيلم مع جمهور كبير نسبياً، وأنا أحترق من الكذب الجميل المنمق المصنوع بحرفية وبتكلفة 60 مليون دولار وقام ببطولته برادلى كوبر وسيانا ميلر ومرشح لست جوائز أوسكار، وشاركت فى تنفيذ كثير من مراحله أرملة كايل الجندى الأمريكى صاحب القصة.
تحكى أحداث الفيلم حياة طفل فى أسرة أمريكية يعلمه أبوه أن الناس ثلاثة أنواع، إما ذئاب أو خراف أو رعاة للخراف يدافعون عنها ويحمونها، فيقرر الطفل أن يكون من رعاة الخراف، فهو يحمى أخاه الطيب ثم يكبر ليقرر أن يحمى أمريكا التى تتعرض لضربات إرهابية فى 11 سبتمبر، فينضم للجيش الأمريكى ويترك أسرته الصغيرة «زوجة حبلى بطفل».
يتم استدعاء كايل للحرب فى العراق بعد أن صار قناصاً محترفاً، ويصور الفيلم البطل وهو فى الحرب مع الإرهابيين، فكل من وما فى العراق عبارة عن إرهابى أو مشروع إرهابى يستحق القتل، ويتحول كايل إلى أسطورة بين زملائه فهو المنقذ لهم وقاتل الأشرار، ويغيب الجندى عن عائلته التى أصبحت زوجة وطفلين وكلما يعود فى إجازة تبدو عليه آثار الحرب النفسية وتأثيرها عليه فيعود ثانية وهكذا ليشارك سنوات فى الحرب التى يصورها الفيلم حربا بين الإرهاب والشر يمثله العراقى العربى المسلم، والخير والتحضر والعطف ويمثله الجندى الأمريكى كريس كايل وزملاؤه، منتهى التزوير والكذب ولكنه للأسف كما سبق وذكرت كذب منمق موشى بخيوط من ذهب وأداء وسيناريو وإخراج شديد الجودة لدرجة أنه فى لحظة من اللحظات أثناء انتصار البطل الأمريكى المعتدى على العربى يصفق جمهور الصالة العربى المصرى لمقتل العربى الذى يقولون عنه إرهابى، حتى كدت أن أصرخ فيهم لا تصفقوا للقاتل الكاذب، إنهم يخدعونكم بفيلم.
وعادت بى الذاكرة لأبريل عام 2012 حين كنت عضو لجنة تحكيم فى مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية فى دورته الثامنة، ومنحنا أنا والأعضاء الجائزة الكبرى لفيلم تسجيلى بعنوان Permission To Engage أو «الإذن بالاشتباك» للمخرجة الهولندية سوشين تان، الذى يحكى بالصوت والصورة والمستندات من شهادات بشر سواء جنود أو قادة وتسجيلات فيديو وصوت وكلها لأمريكيين شاركوا فى حرب العراق، كلها تقول، إن هذه الحرب وكل ما حدث فيها منهم كان جرائم ضد الإنسانية، وإن هؤلاء الجنود كانوا يأخذون أوامر بالهجوم والقتل لكل مار بالطريق والغريب أن نفس المشاهد الحقيقية التى صورها الفيلم التسجيلى «الإذن بالاشتباك» هى ذاتها التى صورها إيستوود فى فيلمه «القناص الأمريكى» مع فارق واحد أن هذه المشاهد فى الأول تدين أمريكا وفى الأخير تمجد وتستدعى العطف مع أمريكا وجنودها.
تمنيت لو أنى دخلت غرفة ماكينة العرض ووضعت فيلم إذن بالاشتباك بدلاً من القناص، ولكن للأسف كان مجرد حلم وأمنية غير قابلة للتحقيق، ولكن لو كنت مهتما أيها القارئ فاليوتيوب موجود والفيلم متاح للمشاهدة لتعرف وتشاهد وتقارن، أما هؤلاء الذين غيبهم برادلى كوبر وإيستوود بفيلمهما ودفعاهم للتصفيق فهم دليلى ودليل غيرى فى عدم الاستهانة بمجرد فيلم.
وعود على بدء هذا ليس حديثا عن فيلم ولكنها قضية أكبر، ذلك لأن منظمة العرب الأمريكيين منذ أيام أرسلت خطابا لكلينت إستوود مخرج الفيلم وكوبر بطله ومنتجه ونشرته صحف العالم الغربى مثل الجارديان والتلجراف وغيرها من الصحف، تقول فيه، إن فيلم القناص الأمريكى تسبب فى زيادة حوادث الهجوم والتحرش بالعرب فى أمريكا، وأنهم يواجهون مشاكل أكبر بعد عرض هذا الفيلم الذى وصلت إيراداته حتى الآن إلى 147 مليون دولار وتنتظره الجوائز.
إنهم يزيفون التاريخ القريب والحاضر الذى نعيشه وللأسف نحن نصفق للبطل الأمريكى أما أنا فقلبى وجعنى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة