من أكثر الأشياء التى تحبط أصحاب الهمة العالية والهمّ الصادق ذلك الخلط بين مفهوم الحل ومفهوم الواجب، كثيرا ما تجد صاحب الهمة أو الهم ّإذا عجز يوما عن إيجاد حل عاجل وجامع لمعضلات واقعه، ظن أنه بذلك قد سقط عنه التكليف، ومن ثم هوى فى دركات الإحباط واليأس، ونسى أنه ثمة فارق مهم وجذرى بين الحل والواجب، يتضح هذا الفارق حين يجيد المرء توصيف واقعه، ليفاجأ أحيانا بقسوة وضعه أو صعوبة ابتلاءاته، فلا يجد حلًّا عاجلًا يستطيع أن يجزم من خلاله بالإجابة الصحيحة التى من خلالها تفك طلاسم تلك المعضلات الآنية والمعادلات الصفرية التى يعيشها، لكنه مع ذلك ينبغى أن يدرك أنه على الرغم من تلك الصعوبات والمعضلات فإنه لم يزل مكلفًا بواجب مهم: واجب الإعذار إلى الله. «قالوا مَعذرةً إلى ربِّكُمْ ولعلَّهمْ يَتقون» (سورة الأعراف).
تلك العبارة الجامعة التى قالها الناصحون من أصحاب القرية التى اعتدت فى السبت وعصت الله فاصطادت فى اليوم الذى نهاها الله عن الصيد فيه إلا أولئك الناصحين لم يصطادوا معهم ونصحوا لهم ونهوهم عن ذلك الفعل، فلما حاول المثبطون تخذيلهم وإبطاء حركتهم الدعوية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، فكان الرد بتلك العبارة «معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.. لعلهم.. ربما.. فليس شرطا دائما أن يكون ما يجب عليك عمله يحمل الحل لجميع مشكلاتك أو مشكلات واقعك على الأقل على المستوى العاجل الآنى، ومع ذلك عليك أن تفعله، عليك أن تفعله لأنه هو الصواب، وإن لم يكن يحمل كل الحلول.
والتكليف ابتداءً ليس بالحل وإنما بالمحاولة، ولو أن كل فاضلٍ عبر العصور أحبط ويأس وركن إلى الكسل حين أُغلقت طرق الحل العاجل فى وجهه أو تعقد واقعه فلم يشهد فتحا فى حياته، ولم ير نصراً آنيا ناتجا عن سعيه؛ لما أُحق حقٌ ولا صدع به صادع، ولما أُبطل باطل ولركن الخلق للشرّ ولاندثرت المفاهيم وغابت الأصول، لكن أفاضل الخلق على مر العصور فهموا حقيقة الأمر، واستعانوا بربهم ولم يعجزوا وساروا فى طرائق الحل وسلكوا سبل المحاولة، وإن لم يروا فى حياتهم عاجل الثمرة، وإن من الأنبياء لمن يأتى يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان فقط هم من آمنوا به بل ومنهم من يأتى ليس معه أحد ولا يشترط أن يكون الحل الذى وصلت إليه هو الحل الكامل والتصور الجامع المانع. لو أنك تواضعت قليلا ورأيت احتمالية أن تكون جزءاً من الحل أو تعزيزا وتعضيدا لحلول غيرك؛ لكان خيرا لك.
لقد أرسل الله إلى قرية رسولين فلما كذبوهما عزز الله بثالث «إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ « تأمل مرة أخرى اللفظ القرآنى «فَعَزَّزْنَا» عادى جدا وما فيهاش حاجة خالص ولا ينقص من قدرك ولا من قدر من تحب أن تكونوا فقط تعزيزات أن تكون جزءاً من الحل.
والحلول قد تتنوع.. وإن الاجتهاد الذى وصلت أنت من خلاله إلى حل لا يشترط أن يكون هو الحل الوحيد والحق الحصرى الذى لا ينبغى لأحد أن يخرج عنه، ولا يجرؤ على مخالفته مخلوق من الممكن جدا أن يصل غيرك إلى حلول أفضل، وأن يفهم ما لم تفهمه وهذا لا يقلل من شأنك كما لم يقلل من شأن نبى الله داوود عليه السلام، أن فهم ولده نبى الله سليمان فهما أصح من فهمه «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا»، فإن اجتهد إنسان لوضع تصور كامل لحل عاجل جامع فهذا حسن ومطلوب، لكن إن لم يستطع إدراك ذلك التصور الجامع والحل العاجل، فالصواب ألا يركن لذلك ويظن أنه ليس مكلفا بشىء، عليه أن يفعل ما يجب عليه فعله أن يسعى وأن يحاول.
فالمحاولة هى التكليف وإن لم تكن هى دائما الحل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة