أجساد مغطاة بالضمادات ترى معالمها بالكاد، ألسنة لا تكف عن الدعاء، وأهال يكتفون بالنظر إلى ذويهم، يحاولون التخفيف عنهم، ولكن دون جدوى.
هذا هو حال المصابين داخل وحدة الحروق فى مستشفى قصر العينى التى يتشابه وضعها مع مثيلاتها فى مستشفى الدمرداش وأم المصريين، حيث يقتسم فيها المريض وعائلته المعاناة، سواء من شدة الألم أو لصعوبة توفير العلاج المطلوب.
«يومان كاملان قضاهما على هذا النحو.. لا يكف عن البكاء والصراخ، حضر الطبيب وطلب دواء لم نجده ولا ندرى ماذا نفعل»، هكذا جاءت كلمات أم الطفل على التى تعدت نسبة الحروق فى جسد ابنها %45 نتيجة سقوط ماء ساخن على جسده أثناء طهيها للطعام.
أثناء حديثها كان «على» يقطع كلماتها بصراخه المستمر «طفيها يا أمى عاوز أنام»، ليعبر عن الآلام التى يشعر بها فى ساقيه التى اختفت بالكامل تحت الشاش والمطهرات.
تصمت لحظات لتعود وتستكمل حديثها، موضحة المعاناة التى تعيشها بسبب صعوبة الحصول على الدواء المطلوب من قبل الأطباء الذين يتركون هم البحث عن الدواء وتوفير ثمنه لأهالى المصابين. قائلة: «الطبيب يصف الدواء وتبدأ رحلة بحثنا عنه داخل المستشفى وخارجها». مرهم «سباكترا» هو أحد أهم الأدوية التى يعتمد عليها المصابون فى قسم الحروق فى علاج حالاتهم، ورغم رخص ثمنه الذى لا يتعدى «14 جنيها» فإنه بمثابة العملة النادرة حتى فى الصيدليات الكبرى. «3000 جنيه يوميا» هذا هو متوسط علاج مصابى الحروق فى مصر وفقا لما رصدته مبادرة «معا لإنقاذ مرضى الحروق» التى أطلقها منذ عامين مجموعة أطباء شباب حاولوا تطوير وحدة علاج الحروق التابعة لجامعة عين شمس ورصدت أيضا المبادرة أن كثيرا من المستشفيات ترفض عمل أقسام للحروق لكونها تحتاج لتجهيزات، ولمتخصصين ولعناية فائقة.
داخل عنبر الحروق بقصر العينى الذى يحتوى على 13 سريرا لم تكن حالة الطفل «على» هى الحالة الوحيدة، فمعاناة البحث عن الأدوية الخاصة بعلاج الحروق هى السمة التى تجمع بين أهالى المصابين. «لا ندرى ماذا نفعل، يوميا أولادنا يعيشون هذه الحالة»، قالتها السيدة «م» ذات السبعين عاما التى كانت تجلس صامتة بجوار جسد مغطى كاملا ماعدا الوجه الذى ظهرت فيه آثار حروق شديدة بشكل يجعلك تحدد ملامحه بالكاد، تُمسك فى يدها عددا من علب الأدوية الفارغة.
وأضافت: «هذه ابنتى نادية بعد الحروق التى حدثت لها»، قالتها وهى تشير إلى ابنتها والصورة التى تحتفظ بها لها قبل الحادث، وتابعت: «بعد إصابة ابنتى توجهنا بها إلى مستشفى قصر العينى الذى قام بترحيلها مباشرة إلى قسم الحروق نظرا لخطورة حالتها وقامت إدارة المستشفى بصرف عدد من الأدوية وأبلغنا الأطباء أن هناك أصنافا أخرى يجب أن نقوم بإحضارها من الخارج نظرا لعدم وجودها فى صيدلية أو مخازن المستشفى».
4 وحدات متكاملة فقط للحروق فى القاهرة والجيزة بمستشفيات قصر العينى، أم المصريين، والدمرداش، والحلمية العسكرى، تغطى معظم محافظات الجمهورية مما يشكل ضغطا كبيرا دفع أحد القائمين عليها للمطالبة بتوسع إنشاء وحدات الحروق فى مستشفيات مصر المختلفة، وهو الدكتور أحمد عبدالسلام مدير وحدة الحروق بمستشفى الدمرداش الذى يقول: فى الوحدة هنا يوجد قسم استقبال منفصل لمصابى الحروق، وغرفة للرعاية المركزة بها 8 أسرة وقسم خاص للحروق به 13 سريرا، بالإضافة للعيادة الخارجية وعلاج آثار ما بعد الحرق، ولكن تبقى المشكلة التى يعانى منها مصاب الحروق، وهى أنه مظلوم دائما، فبجانب أنه معرض للوفاة فى أى لحظة لو وصلت نسبة الحروق فى جسده إلى %80 يعانى أيضا من آثار نفسية سلبية بعد مرحلة الشفاء تجعله عاجزا عن مواجهة المجتمع الخارجى.
ويضيف: «مصاب الحروق يتكلف الكثير ماديا، فالوحدة تنفق ما يقرب من 30 ألف يوميا على جميع المصابين، ويصل متوسط الفترة الزمنية التى يقضيها ما بين أسبوع وأسبوعين وفى حالات قليلة تصل إلى ثلاثة شهور» ونستقبل 30 حالة شهريا.
«الألبومين» عقار يستخدم لمصابى الحروق لتعويض البروتين الذى يفقده الجسم، ويصل سعره إلى 400 جنيه فى العبوة الواحدة وتحتاج الحالة منه على الأقل عبوتين يوميا وأحيانا يكون غير متوفر فى السوق».
أما فى مستشفى أم المصريين فلم يختلف الوضع كثيرا عن سابقه، فهذا المكان الذى خصص وحدة للحروق فيه لعلاج أبناء مصر من محافظات الصعيد المختلفة وحتى محافظة الجيزة، يعانى من نقص بعض الأدوية والصفائح الدموية وقلة الكوادر البشرية القائمة عليه، وتتكون وحدة الحروق فى هذا المستشفى من 12 سريرا داخل القسم و4 أسرة فى غرفة الرعاية المتوسطة واثنان فى الرعاية المركزة وتتكلف الوحدة أكثر من 1000 جنيه إنفاق على المريض الواحد يوميا، شاملة المحاليل والمضادات الحيوية والمسكنات وغيرها من الأمور اللازمة لعلاجه.
«فانكوميسين وتاينام وبانثينول وبابافيل وباكتروبان» أكثر المراهم والمرطبات التى يحتاجها مصاب الحروق ولا يمكنه الحصول عليها بسبب أسعارها المرتفعة التى تتراوح بين 80 و250 جنيها للأنبوب الواحد وفقا لما ذكره أحد القائمين على الوحدة. من جانبه قال الدكتور وائل هلال، أمين صندوق نقابة الصيادلة، أن هناك أزمة حقيقية تتمثل فى وجود نواقص كبرى فى الأدوية والمستحضرات الخاصة بعلاج الحروق.
وكشف «هلال» عن أن المشكلة الحقيقية تتمثل فى اختفاء المنتجات المحلية التى تتوافر بأسعار زهيدة تمكن المواطنين من شرائها وإحلال المنتجات المهربة التى يطلق عليها «مستوردة بديلا عنها» ومنها مرهم «سباكترا» الذى لا يتجاوز المنتج المحلى منه سعر 15 جنيها فى حين أن المستورد أو المهرب منه يبلغ ثمنه 350 جنيها.
المصابون بالحروق يصرخون بالمستشفيات لاختفاء الأدوية.. والأهالى: تكلفة العلاج 3 آلاف جنيه يوميا..أطباء: عدد وحدات شفاء الحروق 4 فقط على مستوى الجمهورية ولا بد من توفير فرص للعلاج فى كل المؤسسات الطبية
السبت، 03 يناير 2015 09:41 ص
«فانكوميسين وتاينام وبانثينول وبابافيل وباكتروبان» أكثر المراهم والمرطبات التى يحتاجها مصاب الحروق
تحقيق: هدى زكريا - أحمد جمال الدين "نقلاً عن العدد اليومى"
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة