براء الخطيب

مذكرات راسب ثانوية عامة.. عن ليشبونة وعشق البرتغال "3"

السبت، 03 يناير 2015 10:38 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مائدة الغداء فى وقت الراحة راح يحكى لى عن ميناء "ليشبونة" الذى جاء منه، وعن "تورى دى بيليم" الذى ينتصب فى مدخل الميناء ليحكى عن تاريخ البرتغال، ويكون عند نقطة التقاء نهر "تاجوس" مع المحيط الأطلنطى الرهيب، وعن ساحل "كوستا كابريكا" حيث ينتهى عنده نهر "تاجوس" الذى يبنون عليه جسر "بونتى سالازار" والذى سوف يتم افتتاحه فى الأسبوع الأول من شهر أغسطس 1966، أى بعد أسبوع تقريبا من الآن وربما يكون الفريق القومى البرتغالى لكرة القدم قد عاد من كأس العالم فى مدينة لندن البريطانية، ذلك الفريق العظيم الذى يقوده الكابتن "يوزيبيو"، ولكن ما يحزنه أن أخبار فريق الكرة قد انقطعت عنه منذ ركب هذه السفية "أرياس" اللعينة التى يكرهها كما يكره الشيطان، لكنه الآن وفى هذه اللحظة يحتاج أن يرمى نفسه فى أحضان بار "دوس جاموس" الذى تمتلكه التوأمان الجميلتان، لكنه يومها وعدنى بأكلة سمك "باكالياو" الذى لا يوجد فى البرتغال كلها من يستطيع طبخه أحسن من أمه.
كان يحكى فى حنين من يرغب فى أن تزيد السفينة فى سرعتها حتى تصل فى أقرب وقت إلى ليشبونة، ولا بد لأى أحد يريد أن يعرف كيف يتحدث "نصف بحار" المصرى مع البحار البرتغالى من أن يعرف أولا لغة البحارة، وأول ما سوف يعرفه هو أنه لا يوجد بحار ولا نصف بحار لا يعرف بضع كلمات من اللغة الإنجليزية التى يتدربون عليها فى مدرسة البحرية ولكن ليست هذه هى نهاية المطاف إذ أن البحارة يخلقون لغتهم من مزيج من الإشارة وبضع كلمات من اللغة الإنجليزية وتعبيرات من لغاتهم الأصلية، وفى البداية يعنون بتوصيل المعنى العام وليس المعنى الحرفى مما يسبب بعضا من سوء الفهم فى البداية لكن الصداقة الحميمة تتكفل بالباقى، فكلما اقترب البحار من البحار فى صداقتهما كلما زادت إمكانية مقدرة الكلمات فى إيصال المعنى الحقيقى بينهما، وهذا هو ما حدث بينه وبين صديقه البحار البرتغالى "ألبرتو ألفاريز ريجاردو" والذى يصر دائما على نطق اسمه كاملا فى كل مرة يضطر فيها إلى ذكر اسمه، بالرغم من أنى قلت له اسمى عندما سألنى عنه، ومع ذلك لم أر الدهشة من غرابة اسمى على ملامحه بالرغم من أن اسمى دائما أبدا ما كان يثير الدهشة وربما السخرية لكل من يسمعه.

أنا أذكر جيدا الآن أن "ألبرتو ألفاريز ريجاردو" لم يندهش أو يسخر من اسمى عندما قلته له كما لو كان قد تعود على سماع هذا الاسم الذى يورثك السأم، واكتشفت يومها أن "ألبرتو ألفاريز ريجاردو" كان يعرف أن الذكريات بالذكريات، والماء بالماء، والدمع بالدمع: تتسع مساحة الحزن فى القلب، ويصبح الألم نديا وواسعا، وكثيرا ما أغرته جنيات البحر بعشق الماء المالح، فكان لا يرتوى من الحياة، وعندما كنا قد أنهينا تنظيف غرفة المحركات وأغلقنا محبس خزان "البلاست ووتر" بعد أن اكتشف المهندس الأول تسرب الزيت مع الماء الذى كان يملأ الخزان بآلاف الأطنان من الماء المالح الذى يحفظ توازن السفينة عندما تكون حمولة السفينة غير متوافقة مع وزنها، كانت العنابر الثلاثة التى تشكل الثلاثة طوابق ممتلئة ببالات القطن المصرى فى طريقها من ميناء الإسكندرية لميناء ليشبونة، كانت السفينة "أرياس" من صنف مراكب الشحن الجوالة، وهى سفن ليست لها مواعيد ثابتة محددة فخطوط سيرها متغيرة حسب السوق، وهى شبه متخصصة فى نقل البضائع بعقود مشارطة مختلفة، كما أنها تنقل بضائع منخفضة القيمة مثل القطن والحبوب والخامات المعدنية، وهى سفن أعمارها كبيرة نوعا ما، وللمذكرات بقية.










مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة