الإرهاب واحد وواضح لكن التعامل مع الإرهاب ليس بنفس القدر من الوضوح، ومن كلا الطرفين تخرج تحليلات استراتيجية معها أو ضدها تفسد الحدث وتضيع الوقت وتملأ الهواء بالفراغ الهلامى. ومعروف أن الحرب ضد الإرهاب ليست نزهة، والتنظيمات الإرهابية لا تعمل بقواعد واضحة للحروب النظامية، وبالتالى فمن الطبيعى أن تنجح فى بعض عملياتها، ويعلم من يتابع الأمور أن الفترة من 2011 تزامنت مع أحداث ليبيا، وشهدت مصر دخول كميات هائلة من الأسلحة تقدرها بعض تقارير دولية بـ12 مليون قطعة، ناهيك عن استقدام مقاتلين من دول ومناطق مختلفة، وتحالفات مهربى السلاح مع الإرهابيين بدعم أجهزة مخابرات، ويعرف الشخص المتوسط أن الجماعات الإرهابية فى العراق وسوريا وسيناء ليست جماعات محلية وأنها التطور الطبيعى لتنظيمات مثل القاعدة أو غيرها، والتى ترتبط بعلاقات معقدة مع دول وأنظمة حتى لو كانت تنفى ذلك. هذه التنظيمات تزداد عنفا مع الوقت، فضلا عن كونها لا تطبق قواعد الحرب المتعارف عليها، وتستخدم الانتحاريين والسيارات المفخخة، وتجند نوعيات معينة يتم غسل مخها، بالمخدرات الفعلية أو النفسية.
ومهما كانت الإجراءات الأمنية فإن الإرهاب ينجح فى اختراقات وعمليات تنجح، ورأينا فى فرنسا ودول أوروبا الأقل سكانا وأقل تعقيدا وهى تعجز عن مواجهة الإرهاب، وتتخذ إجراءات عاجلة لسد الثغرات وتقديم الجناة للعدالة. نقول كل هذا لأننا أصبحنا نعانى من ظاهرة تمثل اختلالا سياسيا واجتماعيا لدى قطاع ممن يحاولون احتكار الحديث باسم الثورة والتغيير، وهؤلاء ينصبون أنفسهم خبراء استراتيجيين ومخططين عسكريين، بينما أغلبهم إما لم ير الجيش إلا فى الأفلام أو فى المنام. لدينا قطاع من سكان الكنبة الافتراضية، يقضون الأسبوع فى نشر الإحباط والاكتئاب باسم الثورة، ويشجعون كل ما هو خارج عن العقل والمنطق، ويمارسون آراءهم بديكتاتورية، وقبل أن تجف دماء الضحايا يسعون لإعلان آراء وتحليلات إما أنهم يقللون من خطورة العمليات ويتجاهلون أى قراءة علمية ومعلوماتية أو يلومون الضحية.
وهذا النوع الأخير من محللى اللوم الكئيب يفعلون ذلك بزعم خوفهم على المصلحة ورغبتهم فى انتقاد التقصير، بينما مواقفهم تكشف بوضوح عداءهم للدولة والجيش والمؤسسات والقانون، لديهم فهم عجيب للثورة، باعتبارها نشر الكآبة، واستيراد مفاهيم نظرية مترجمة من دون حتى محاولة قراءتها محليا، ناهيك عن أطراف مختلفة تربح وتأكل عيشها من حالة التشويش المستوردة.. ويصل الأمر إلى أن بعض الحقوقيين المتمولين أصبحوا يعتبرون وجود الإرهاب فعلا ثوريا، وبعض مراهقى الثورة ينضمون لمظاهرات غير سلمية يظهر فيها السلاح والمولوتوف.
المفارقة أن المنظرين المستشرقين غالبا ما يمارسون عملهم إما من الخارج، حيث يهاجرون ويقيمون ويأكلون ويشربون على نفقة دول آخرين أو أنهم يفعلون من تحت البطاطين ويلومون جنودا وجيشا يدافع عنهم، وليس لديهم أى نظريات لهذا التغيير سوى مضغ وإعادة ترديد الكلام الخشبى الجاهز بلا مضامين أو بدائل. ولا أحد مع التحليلات الجاهزة والمبررة، ولا أحد يطالب بالتبرير أو النفاق، لكن أيضا يفترض أن هناك عدوانا وإرهابا واضحا بامتداداته الإقليمية والدولية ولا يحتاج للكثير من الجهد للتعرف عليه، وتجاهله أو التقليل منه لا يقع ضمن الثورية أو التغيير.
ثم إن الجماعات الإرهابية لم تعد تخفى عملياتها، وتصدر بيانات داعشية، تؤيدها قنوات تركيا الإخوانية بوضوح، بما يجعل من الصعب الفصل بين السلمى والعنيف. كل هذا يكشف عن أن المواقف تتجاوز الحوار أو الخلاف فى الرأى وتعكس مصالح وتحالفات، مع الإرهاب، ودعم إعلامى أو دعائى.
الإرهاب ليس أمرا سهلا ولا حرب يوم وليلة، لكنه معركة ترتبط بتفاصيل وتحركات مختلفة، والجيش يواجه حتى الآن ببسالة بالرغم من أنها ليست حربا نظامية. والإرهاب بلا قيم أو أخلاق حرب أو سلم، ويفترض أن تكون المواجهة شاملة، من دون تهوين أو تهويل وبعيدا عن «البغبغة الاستراتيجية».. والتحاليل الكنباوية.