رغم أن حصيلة الشهداء فى تفجيرات سيناء الأخيرة، قاسية على القلوب، باعتبارها الأكبر فى مجموع العمليات الإرهابية منذ ثورة يناير وحتى الآن، مرورا بكرم القواديس، ومجزرتى رفح الأولى والثانية، إلا أن الحصيلة كانت قابلة للزيادة لولا عناية الله التى دفعت بـ2 من جنود الكتيبة 101 للوقوف فى وجه السيارة المفخخة ومنعها من اقتحام المقر العسكرى، ليستقبلا الانفجار بأجسادهما ويقللان من شدته التى كانت ستطيح حتما بكل فرد أمن داخل الكتيبة.
لا أعرف حتى الآن من هما الجنديان اللذان فعلا ذلك، بحثت فى قائمة الشهداء فوجدت 13 شهيدا تم التعرف عليهم و12 آخرين لم يتم العرف على هويتهم، الجنديان حتى الآن يسجلان ضمن الجثث المجهولة، ولكن ما فعلاه ليس أبدا مجهولا، ما فعلاه يسجل ضمن التاريخ المشرف لهما ولكل ضابط جيش وشرطة يضحى من أجل الوطن.
من بين أبرز وجوه الشهداء فى تفجيرات سيناء، شاب دفعة 2010، يخدم فى العريش قبل 6 أشهر، ومرتبط بفتاة يحبها وتعشقه، يدعى وليد عصام، لا يزال برتبة نقيب، وعندما جاء أمر نقله لسيناء، اعترضت والدته لأنه من يرعاها بعد وفاة الأب، واعترضت خطيبته أيضا لأنها تخاف عليه، ولكنه قدم حب وطنه على حب خطيبته، فانتقل لسيناء ليخدم بلده ويحافظ عليها.
فى المكالمات الهاتفية، كان يداعب خطيبته قائلا: «لو مت هتعملى إيه.. لو استشهدت هتعملى إيه.. الموت هنا قريب قوى»، كانت ترد خطيبته: «ما تقولش كدا بعد الشر، إن شاء الله هنفرح سوا ونتصور وإحنا فى الكوشة». رحل وليد عصام قبل أن يهنأ بصورة فى «الكوشة» مع رفيقه حياته، حزنت خطيبته لخبر الوفاة، دخلت على صفحته الشخصية وكتبت عبارة موجعة قالت فيها: «يا جماعة أنا خطيبة وليد، يا ريت ماحدش يقول إنه مات، كفاية بالله عليكم، وليد ما متش، إن شاء الله هيرجع، ما تعملش فيا كده يا وليد»، لها الحق أن تحزن كل الحزن ونحن معها ولكن حزننا يغلبه الفرح والسعادة بشاب مصرى يدرك أهمية وقوفه بجوار وطنه، يدرك معنى الحب السامى الذى تحدث عنه سيد حجاب عندما قال: «حبيبتى من ضفايرها طل القمر، حبيبتى بتعلمنى أحب الحياة، يا حلوة يا بلدنا يا نيل سلسبيل، بحبك انت رفعنا راسنا لفوق، للحلوة قلب كبير يضم الولاد وزاد وزوادة وضلة وسبيل، الموت والاستشهاد عشانها ميلاد، وكلنا عشاق ترابها النبيل».
العبارة الدائمة للخونة بعد أى عملية إرهابية فى سيناء أن الشهداء يكونوا فقط من «الجنود الغلابة» وليس من القيادات، والتفجيرات الأخيرة أكبر رد على أى خائن أن الجيش لا فرق فيه بين فرد أمن ولواء أركان حرب، الاثنين سواسية فى مواجهة الإرهاب، الاثنين على خط دفاع واحد، الاثنين يتصديان بصدورهما لأى إرهابى غادر، فى قائمة الشهداء، ستجد 2 من قيادات الجيش فى سيناء وهما العميد أركان حرب السيد أحمد فوزى صالح والرائد أركان حرب هشام محمد السيد عبدالعال.
العميد فوزى والرائد هشام «رجالة» بمعنى الكلمة، كلاهما لم يفكر فى المرتب الذى سيحصلان عليه عندما يتركان عائلتيهما ويقضيان شهرين فى سيناء بدون أجازات، لم يطلبا أى حوافز أو مكافآت لأنهما تحت القصف يوميا، ومعرضين للخطر 24 ساعة فى الـ24 ساعة، كلاهما لم يفكر فى أى عواقب وهما يتعاملان مع أى جسم غريب قد ينفجر فيهما إلا الحفاظ على سلامتنا نحن المدنيين من أى سوء، كلاهما لم يتعاملا مع الوطن بقاعدة «الكام بكام» مثل مئات المزايدين، كلاهما قدما الوطن على أى مصلحة، جعلوه فى المقدمة وما بعده يزول.
رحم الله شهداءنا وألهم أسرهم الصبر والسلوان، وتبقى رسالتان أخيرتان الأولى إلى كل ابن أو أخ أو أخت أو أم شهيد، للكل جميعا أن تفتخروا، أنتم الشعلة الحقيقية التى تنير الوطن، أما الرسالة الثانية إلى دولتنا الحكيمة العظيمة، ألا يستحق رجالنا أن نعلن الحداد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة