المقابلة التى أجراها راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة التونسية، مع جريدة الخبر الجزائرية كان فيها مفاجئًا وصريحاً وكاشفاً، قال الغنوشى: «نحن لم نتقدم بمرشح رئاسى فى الانتخابات التونسية، لأن موازين القوى الداخلية والخارجية لا تسمح بذلك، وأفاد أن القوة العددية ليست هى المعيار وإنما موازين القوى التى هى جملة المعطيات الداخلية والخارجية، ومعنى ذلك أننا لو رشحنا لمنصب الرئاسة واحدا من النهضة فإن المسار الديمقراطى سينهار بانقلاب أو إرهاب أو اغتيالات أو فوضى عارمة». وتحدث عن الجزائر فقال إن الإسلاميين حصلوا على %80 من الأصوات، بيد أن موازين القوى لم تكن تسمح لهم بالوصول إلى السلطة، وفى الحالة المصرية قال: «موازين القوى لم تكن تسمح للإخوان بأخذ الرئاسة». وأوضح الرجل أن حركته استفادت من هذه التجارب واعتبرت بها، «فتونس والديمقراطية أغلى علينا من النهضة، أنا ليس لى مشكل فى أن أنتقل من السلطة إلى المعارضة، لكن لا أحب أن أنتقل من السلطة إلى السجن، أو من السلطة إلى المهجر، هذا لا يسمى انتقالاً». وأوضح أنه ليس خائفاً من عودة النظام القديم، لأن الثورة فى تونس حصلت، وأن هذه الثورة أسقطت النظام القديم وأصنامه، «نحن دخلنا عصرا جديدا للحريات، وهذا لا يعنى أننا لسنا مهددين، نحن مهددون بالفوضى وبسقوط هيبة الدولة، فإمكانية الفوضى واردة فى تونس مع خطر الإرهاب».
وحزب النهضة فى تونس لما وجد أن الشريعة الإسلامية ستكون عامل استقطاب فى المجتمع التونسى وستكون سببا للانقسام لم يطالب بها، وقال وحدة التونسيين عندى أهم من المطالبة بتطبيق الشريعة، واكتفى ببقاء الإسلام دين الدولة فى الدستور، كما أنه لم يطالب بتحصين الثورة أو استبعاد من كان فى حزب بن على «التجمع الدستورى»، وتخلى عن عامل السن الذى كان يمكن أن يقصى السبسى من الترشح للرئاسة، كل ذلك جعل من الحركة وحزبها وجها للاعتدال الحقيقى، يتحدث عديدون هنا فى مصر بأن الحركة ستنشق، لكنه لن يحدث فالحركة لديها مرونة وبراجماتية وقدرة على أن تتخذ مواقف تتجاوب مع الانتقال الإصلاحى والهادئ نحو ديمقراطية بازغة لاتزال تبحث لنفسها عن تقاليد، وعن طبقات اجتماعية مدنية تدافع عنها إذا تعرضت للتهديد والخطر، وجود أمثال الغنوشى وعبدالفتاح مورو على رأس حركة النهضة حماها من الانزلاق بالبلاد نحو مصير مقاطع للمجتمع والتقاليد ومواجه للدولة، فالسياسة حكم ومعارضة، ومن يخسر الحكم ينتقل إلى المعارضة وموازين القوى فى العالم العربى والإسلامى لم تتهيأ بعد لحكم الإسلاميين وأن تكون السلطة بأيديهم، خاصة أن الإسلاميين ليست لديهم الخبرة من ناحية وليست لديهم الكفاءات من ناحية أخرى، وجود «النهضة» يعنى أن وجود قوة إسلامية معتدلة وعاقلة لا يزال ممكنا فى المنطقة العربية ولا يزال قائما، فالإسلاميون جزء أصيل من مشاريع نهضة الأمة ومستقبلها، ولكن بشرط النسج على منوال أوائل من مثلوا هذا التيار فى مصر كجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيدرضا وعبدالرزاق السنهورى، ومن مشايخ الأزهر الشريف الشيخ حسن العطار، والشيخ حسونة النواوى، والشيخ المراغى، والشيخ محمود شلتوت، والدكتور عبدالحليم محمود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة