ثورة 30 يونيو لم تكن فقط ثورة سياسية على نظام حكم ولكنها كانت بالتأكيد ثورة فكرية على فكر الإسلام السياسى برمته وثورة ضد الفاشية باسم الإسلام. والمعروف ان الحل الأمنى لا مفر منه ولكنه حل قصير الأمد وليس مستدام واذا تحدثنا عن محاربة الإرهاب فكريا فلا نجد امامنا الا مؤسسة الأزهر التى بيدها الحل والعقد، وكان كلام الرئيس السيسى واضحا وحازما عن تحميل الأزهر المسئولية التاريخية ومطالبته بتجديد الخطاب الدينى. فمطالبة الكثير من المفكرين السياسيين والإعلاميين والنخبة والعامة الأزهر بأن يتحرك ويغير ويجدد ويقود ويصارع الفكر الإرهابى ليست ترفا ولافزلكة ولا محاولة لهدم الأزهر كما يدعى دراويشه، ولكنها احتياج والحاح واحساس بالخطر على مستقبل البلد والمنطقة من هذا الفكر الإسلامى المدمر واقصد هنا بلفظ إسلامى حتى لا يكفرنى المكفرون ان هذا الفكر يستمد شرعيته من احاديث إرهابية وتفاسير تدعو الى الكراهية والعنصرية والعنف فعندما يخصص سياسى واعلامى مثل إبراهيم عيسى مجموعة حلقات تركز بشدة على مدى جدية الأزهر وجاهزيته لمحاربة هذا الفكر وهو يضم مسئولين بعضهم داعشى التوجه وآخرين مؤلفة قلوبهم اخوانيا وقطبيا فهذا ليس شو اعلامى يحتاجه إبراهيم عيسى ولكنه ادراك حقيقى لخطورة دور الأزهر لإنقاذ مصر. نسمع كثيرا من شيخ الأزهر وشيوخه عن دور الأزهر الوسطى وعزمه على مكافحة الفكر المتطرف لكن على أرض الواقع نرى حماية ورعاية لشخصيات ومناهج تؤمن بهذا الفكر المتطرف الإرهابى.
رأيت مؤخرا فى برنامج بقناة التحرير مناظرة بين د. مصطفى راشد خطيب مسجد سيدنى ود. محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية. خطيب سيدنى (أزهرى يرتدى عمة وجلباب بالمناسبة) له آراء دينية خارج الصندوق ومخالف لما هو متعارف عليه د. راشد يرى ان الحجاب ليس فرضا وذكر أسبابه ثم قال ان السكر فقط هو المحرم وليس الخمر بدليل عدم وجود حكم وعقوبة لشرب الخمر! كانت آرائه مفاجئة لى فتوقعت ان أرى مناظرة موضوعية دسمة يفند فيها الطرف الآخر (د. الشحات) ما قاله د. راشد. ولكنى كما شاهدت مرارا أول ما بدأ وانتهى به د. الشحات هو هجوم شخصى على خطيب سيدنى من نوعية : انت انسان تريد الشهرة ؟ مشروعك الفكرى مشروع جهلى ومن أى دين تأتى ومرة يقول له «يابني» باستهزاء وكالعادة ترك عضو الأزهر الموضوع ودخل فى الشخصنة والاستهانة بالرجل ! وعندما قرأت السيرة الذاتية للدكتور راشد وجدت عالم أزهرى وأستاذ للشريعة الإسلامية ومقارنة الأديان، فالاستهانة به أذن لم تكن فى محلها. حدث نفس الشىء فى مناظرة بين الشيخ عبدالله نصر الذى ينتقد البخارى ومناهج الأزهر وبين د. عبدالله شحاتة والشيخ صبرى عبادة ! وانتهى الحوار بتخوين الشيخ نصر (قيل له باللفظ أنت مأجور) وفى برنامج آخر رمى الشيخ سالم عبدالجليل سيد القمنى بالكفر لأنه ناقش فكرة «تاريخية» النص القرآنى. إذن هناك قاسم مشترك فى كل هذه الحوارات هو ان الطرف الأزهرى المحافظ لا يواجه أى فكر جديد ومخالف بهدوء وموضوعية وحجة ومنطق، فقط بالتشنج والصوت العالى وشخصنة القضية ثم التخوين والتكفير والسخرية! لو كان ابن رشد مازال حيا هل كان سيكفره الأزهر التنويرى؟! بدون جرأة وشجاعة لخوض معركة اصلاح وتجديد وتنقية وتنقيح التراث الإسلامى بفقهه واحاديثه وبخاره وتفاسيره سيبقى الوضع كما هو عليه وننتقل من كارثة الى كارثة!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة