ليت المتكالبين على دخول البرلمان يأخذون العبرة من الدكتور فتحى سرور الذى صرخ بأعلى صوته «لقد طلقت السياسة بالتلاتة»، وذلك ردًا على أهالى السيدة زينب الذين ذهبوا مطالبين ترشحه فى البرلمان، مؤكدًا أنه لو عاد به الزمن إلى الوراء لاختار أن يكون أستاذًا بالجامعة فقط، وإذا كان الزمن لن يعود بفتحى سرور، فإنه الآن يحذر الحالمين بالبرلمان، وعليهم أن يستفيدوا من تجربته، حتى لا تكون نهايتهم نفس نهايته، ويتجرعوا كأس الندم.
تجربة فتحى سرور المريرة مع السجن يجب أن تكون جرس إنذار لكل من يريد اقتحام حقوق ألغام السياسة، فهى ليست وجاهة ومناصب ونفوذًا واقتناص فرص، لكنها حلم محفوف بالمخاطر والأشواك فى بلد مثل مصر تحطمت فيه الأساطير والآلهة والأصنام بعد 25 يناير، وشملت قرابين التضحية رموزًا شغلوا المناصب المرموقة فى الدولة لسنوات طويلة، ابتداءً من الرئيس حتى رئيسى الشعب والشورى، ورئيس الوزراء، وكبار رجال الدولة، وذهبوا مباشرة من قصور الحكم الفخيمة إلى ليمان طرة الكئيب. الدرس المستفاد هو أن احتكار المناصب صار نقمة وليس نعمة، فقد خلقت للتداول والانتقال السلمى للسلطة، وأهم من الحزب الذى يحكم، الحزب المرشح للحكم، لأن الناس بطبيعتها تكره الجمود والاستئثار، وهذه خطيئة الحزب الوطنى الذى ظن أن احتكار السلطة طريقة للبقاء، فكانت المقصلة التى قطعت رأسه، وشتت رموزه، وحكمت عليه بالفناء.
تاريخ فتحى سرور ملىء بالإنجازات والنجاح، لكن ذلك لم يشفع له، وليت الحالمين الجدد بالبرلمان لا تبهرهم أضواء ثورة 30 يونيو، فيريدون قطف ثمار نظام سياسى جديد يلقى قبولاً شعبيًا كبيرًا، لكن عليهم أن يعيدوا حساباتهم جيدًا حتى لايكونوا عبئًا على النظام، ووبالاً على أنفسهم، لأن المرحلة الجديدة تتطلب رجالاً بمواصفات خاصة، قوامها النزاهة والطهارة والشفافية والبعد عن الشبهات، وأهم من كل ذلك إنكار الذات، فلا يصح أن يتصور المرشحون أن لهم حقوقًا فى الكعكة، لمجرد ظهورهم على المسرح السياسى فى السنوات الأخيرة، لأن كثيرين منهم تطاردهم سمعة سيئة، رغم محاولات غسلها وتطهيرها. المثل الواضح هو تكالب مجموعة من رجال الأعمال على اقتحام البرلمان، وإذا كان هذا حقهم القانونى والدستورى، فالمجتمع هو صاحب الحق الأكبر فى حماية مجلس النواب، من نواب ينفذون إلى مصالحهم ولو من خرم إبرة، خوفًا على البرلمان الجديد من شبهات تطويع القوانين وتسخير النفوذ، وفى جعبتنا الكثير والكثير من الوقائع والأحداث التى قادت إلى هدم دولة مبارك، لأنه سلم مقاليد الأمور فى سنوات حكمه الأخيرة لمجموعة من قناصة الثروة والسلطة، ارتدوا أقنعة سياسية، والتهموا معدلات النمو، وكانوا سببًا رئيسًا فى زيادة الفوارق الطبقية.
فتحى سرور حين قال إنه «طلق السياسة بالتلاتة»، يعرف جيدًا أن الطريق إلى المستقبل لا يمر عبر الماضى، وهو يستحق الإشادة والتحية لأن «أحلام الصبا» لم تداعبه مثلما تلعب بعقول كثيرين ممن نراهم الآن يرقصون فى حلبة المسرح السياسى، على أمل أن يكون لهم دور فى صنع الأحداث، وفى كل بلاد الدنيا لا يحدث ذلك، ولا يعتلى رجال كل العصور المناصب فى كل العصور، ونحمد الله أن مصر أصبح فيها الآن رئيس سابق ورئيس أسبق.. صحيح أن الثورات هى التى أطاحت بهما، لكن من الأفضل لمصر أن يكون ذلك بالصندوق، وبالانتقال السلمى للسلطة. خذوا الحكمة من أفواه الحكماء، وفتحى سرور يمتلك نواصى ثلاثة: العلم والتجربة والمعاناة، ووصل فى الثلاثة إلى القمة، حصل على أعلى الشهادات، وتبوأ أعلى المناصب، ودخل السجن، وعندما يقول «لقد طلقت السياسة بالتلاتة».. صدقوه.