من كثرة السخرية من المثقف المصرى فى الإعلام، ترسخت فى ذهن المواطن البسيط صورة سلبية عنه، لم تسع السلطة (أى سلطة) إلى تصحيحها، لأنها تعرف فى قرارة نفسها أن هذا «المسكف» عنده حق، وأن أحلامه مزعجة لها، وفى لحظات التحول الكبرى يضيع هذا المثقف فى الرجلين، لأنه لكى تكتمل القضية لابد أن يكون هناك من يخطط أو ينظر ولابد من محاكمته، وإن لم تتمكن، تحاصره فى عمله وأكل عيشه، والحرص على عزله بتشويه صورته، وأكثر ما يزعج الواحد أن تستمع إلى أشخاص يفترض أنهم يشكلون الرأى العام وهم يتحدثون فى مقالاتهم أو فى التلفزيون عن أن المثقفين سلبيون أو باعوا أو تآمروا.
يتحدثون مثل أعداء الثقافة من المتطرفين، وإذا قلت لأحدهم أن الثقافة المصرية طوال التاريخ الحديث كانت فى الطليعة ضد الفاشية وضد التطبيع، وأنها خاضت معركة الإرهاب قرنا كاملا، وأن المثقفين لم يتاجروا فى أراضى الدولة ولم يتربحوا من بيع القطاع العام، ولم يسند إلى أحدهم منصب فاعل فى أى مكان يحتاج مخلصين، وأنهم هم الذين مهدوا ليناير وقاتلوا لكى تنجح 30 يونيو، يقول لك إنهم لم ينزلوا إلى الناس، تحاول أن تفهمه أن المثقف ليس مهنة، وأنه بين الناس أكثر من غيره، هو يدرس فى الجامعة ويعمل فى مراكز البحوث والصحف وسط الناس ويكتب قصصا ويصنع مسرحا وأفلاما ويرسم ويلحن ويخطط المدن ويبنى عمارات، هو المنتج الأول الذى يصنع الذاكرة الآن، ولا يوجد لديه وقت ليظهر فى التلفزيون أو يقابل مسؤولين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة