أشرنا إلى وجهين من أوجه الصراع داخل الإخوان المسلمين فى المقال السابق، الوجه الأول وهو الصراع الجيلى بين الشباب الجديد الذى يطلق على نفسه شبابا ثوريا، وهذا الصراع الجيلى يتواجه فيه جيل الكهول والشيوخ الذى نطلق عليه جيل التنظيميين الذى يقوده محمود عزت الذى يعد نفسه نائب المرشد ومعه محمود حسين الذى يعد نفسه الأمين العام للجماعة ومحمود غزلان الذى كتب مقالة بعنوان «دعوتنا باقية وثورتنا مستمرة».
هذا الجيل التنظيمى الذى ملك مفاتيح التوجيه والفعل والمنع داخل التنظيم بيد من حديد حتى ثورة يناير 2011، فهو من منع شباب الإخوان من المشاركة مع غيرهم من شباب الثورة الآخرين فى الثورة، وهو الذى قرر فصلهم من الجماعة من بعد لأنهم يخرجون على قواعد الالتزام والصف الإخوانى وأسس هؤلاء فيما بعد حزب التيار المصرى.
ويقف هذا الجيل التنظيمى مدافعا عن موقعه فى التنظيم وسلطاته التى كانت مطلقه عليه، وهنا أشرنا إلى البعد الأول فى الصراع داخل الجماعة وهو الصراع حول السلطة، من يحصل على ماذا؟ بمفهوم علم السياسة، فالجيل الجديد يريد أن ينحى القديم تماما ويعده المسؤول بشكل مباشر عما آلت إليه أوضاع الجماعة، وأنه المسؤول حتى عن النتائج الكارثية للسنة التى تولى فيها الحكم ولم يحسن قيادة الجماعة ولا توجيه مقاديرها إلى حيث كان يريد الجيل الجديد، وبالتالى هم المسؤولون، ويجب أن يحاسبوا، بل يجب أن يتنحوا جانبا ويتركوا القيادة للجيل الجديد ليأخذ مقاليد الجماعة إلى وجهة مختلفة، هنا الوجه الأول للصراع داخل الجماعة حول من يحكم؟ من يكون له التوجيه والسلطة؟ إذن نحن أمام صراع حول السلطة فى الجماعة.
الوجه الثانى للصراع حول طبيعة القرار داخل الجماعة، ما هى الهيئات التى تتخذ القرار داخل الجماعة؟ وكيف يتجه القرار فى الجماعة؟ وهل يشارك فعلا الإخوان فى صناعة القرار أم إن القرار يتم اتخاذه فى أروقة ضيقة داخل مكتب الإرشاد الذى يمثل الهيئة المركزية النافذة؟ وهل تمتلك الجماعة فعلا أجهزة للمحاسبة والرقابة تراقب عمل ذلك المركز وهل مجلس الشورى وهو الجهة التى تراقب عمل الجماعة تقوم بدورها فعلا أم أن هناك تداخلا بين تلك الجهة الرقابية والتنفيذية؟ وهل قرار الجماعة يتم اتخاذه وفق قواعد لائحية تقوم على عقد حقيقى بين العضو أو ممثليه وبين من يتخذ القرار؟ أم أن عوامل الثقة والالتزام والطاعة والطرق الشفاهية القائمة على الثقة والولاء والأبوية هى التى تحكم عمل القرار فى الجماعة؟ وهذا هو الوجه الثانى للصراع داخل الجماعة: كيف يتم اتخاذ القرار داخل الجماعة؟
الوجه الثالث وهو الأخطر كما كنا أشرنا فى مقالنا الأول هو كيف تعرف الجماعة نفسها؟ المؤسس الأول للجماعة حسن البنا أوضح بلا مواربة أن الجماعة هى جماعة إصلاحية، وأنها لم تنظر أبدا للدولة المصرية باعتبارها دولة خارجة عن القواعد بحيث يجب إسقاطها، وكل رسائله تصب فى هذا الاتجاه، ولما كثر استخدام كلمة الثورية قبل سقوط نظام الملك فاروق وهو النظام شبه الليبرالى السابق على مجىء نظام يوليو العسكرى أوضح حسن البنا أن كلمة الثورية ليست من منطلقات الجماعة ولا من مبادئها، وأنه قد تقوم ثورة فعلا ضد النظام الحالى يقصد نظام الملك فاروق بيد أن الإخوان لن يكونوا هم القائمين بها ولا الداعين إليها أبدا، بل سيقوم بها غيرهم، ولم يستخدم حسن البنا فى رسائله ولا فى كتاباته كلها كلمة الثورة بمعنى إيجابى أبدًا، وكان يكتب رسائله المختلفة فى الإصلاح السياسى والاجتماعى، ولكنه لم يقل أبدا إن الدولة يجب أن تسقط، وإنما كان يتحدث عن إصلاح للنظام السياسى، وظل الباحثون يتعاملون مع الإخوان باعتبارهم جماعة إصلاحية، بيد أنهم اليوم- أى الإخوان- يحاولون إعادة تعريف الجماعة لنفسها وانتقالها من جماعة إصلاحية تعمل على الحفاظ على الدولة وإصلاح الخلل داخلها إلى جماعة ثورية انقلابية شاملة بمفهوم أبى الأعلى المودودى فى كتابه «منهاج الانقلاب الإسلامى» تريد إسقاط الدولة المصرية والتأسيس لدولة جديدة وفق قواعد ثورتهم، وهذا أكبر وأهم وجه للصراع.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة