الشعوب والبلدان كائنات كونية تسرى عليها القوانين والسنن الكونية تماما، كما تسرى على كل مخلوق فى الكون وهى سنن لا تتبدل ولا تتحول، محايدة لا تجامل أحدا.
جاء فى إحدى حكايات الهند أن رجلا ضاقت به الحياة وجرعته من كئوس الألم والضنك ما جعله يلجأ إلى أحد الحكماء عسى أن يجد الحل عنده لمشاكله وبعد أن استمع الحكيم العجوز لشكاية الرجل أعطاه دلوا وطلب منه أن يملأه بالماء ففعل فقام الحكيم بإشعال النار ووزع الماء بالتساوى على ثلاثة أوعية وضعها فوق النار، وجاء ببيضة وجزرة وبعض حبيبات البن ثم أمر الرجل أن يلقى فى كل وعاء بأحدها استغرب الرجل وقال فى نفسه يبدو إن هذا الحكيم كبر لدرجة التخريف واندهش أكثر عندما أطفأ الحكيم النار وطلب منه أن يخبره بما شاهده وما طرأ على كل من البيضة والجزرة وحبات البن بعد أن وضعا فى نفس الظروف من الماء والنار ماذا كانوا وكيف أصبحوا؟ اضطرب الرجل لدرجة أن لم يستطع الإجابة فتولى الحكيم عنه الكلام وقال: الجزرة كانت صلبة وقوية قبل وضعها فى الماء على النار ثم خرجت من التجربة ضعيفة لينة والبيضة كانت محتوياتها هشة لينة ثم أصبحت صلبة جامدة أما حبيبات البن والتى كانت كالهباء المنثور فقد امتزجت بالماء وحولته إلى شراب منعش وأصبح من الصعب أن تميز الماء من البن أو البن من الماء غير أنه نتج شيئ جديد جميل ومفيد ومنعش (مشروب القهوة اللذيذ)؟ ثم حدق فى وجه الرجل بعطف وسأله كأى الاشياء أنت هل انت كالجزرة أم البيضة أم أنت كالبن؟ واستطرد الحكيم وهو يضغط على حروف الكلمات: أن الظروف قد تتشابه مع جميع الكائنات ولكن النتائج تختلف تبعا لردة فعل الكائن الذى لديه خيارات بعدد حبات الرمل وقطرات ماء المحيطات ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يمثل بجرمه الصغير العالم الأكبر فيستطيع بذلك أن يواجه كل الظروف بأى صورة من صور الكون التى يريدها والاختيار له، فإن اختار أن يكون كالجزرة فسوف تؤثر عليه أحداث الحياة وتضعفه فيمكن هرسه بالأصابع سهلا ميسورا وأن اختار أن يكون كحبيبات البن فسوف يخلق من الظروف السيئة مناخا جميلا مناسبا للسعادة والنماء، انتهت الحكاية لأستكمل ما بدأت به من أن الشعوب فى مجموعها تمثل كائنا انسانيا واحدا يختلف عن جيرانه من الشعوب الاخرى ويتصرف حين يتصرف باختيار واع أى السبل يسلك حتى يكون قويا وسعيدا وآمنا ومستقرا ومساهما فى عمارة الكون فإذا نظرنا إلى كل من تونس ومصر وقد كانا فى طليعة البلدان العربية التى طالتها ثورات ما سمى بالربيع العربى واستحوذت نفس الجماعة على الحكم فى البلدين إلا أن شعبى البلدين كانا من الوعى وادراك قيم الحياة بحيث استطاع البلدان الخروج من المستنقع الآسن بأقل الخسائر والبدء فى التنمية الشاملة للبلاد لتعزيز إحساس بنيها بالكرامة والعيش الكريم والحرية والأمن والأمان، فكان أن اختار البلدان الحفاظ على وحدة الشعب وأرواح ابنائه ثم رأينا كيف تهاوت سوريا وليبيا واليمن ليكتووا جميعا بنار الحرب والتشريد.
ونحن هنا لا نقول بأن مصر وتونس قد أصبحتا فى مأمن، لا، فكما قال السيسى أننا مازلنا مستهدفين وأن استراتيجية الغرب وامريكا بالذات لم تتغير وانما تغير التكتيك تبعا لظروف الواقع ومازالت أمام المصريين الفرصة ليؤكدوا للعالم ولأنفسهم صلابتهم وتحضرهم ورغبتهم فى السلام والاستقرار والتنمية ويفوتوا على كل متآمر الفرصة حتى لا يدخل البلاد والعباد فى مستنقع الفوضى والهدم الذى تعانى منه بعض الشعوب الشقيقة بخروجهم إلى صناديق الانتخاب ليختاروا من يمثلهم اختيارا يظهر للعالم ذكاء المصرى وفطنته واستعصاءه على أن ينخدع تحت دعوى من دعاوى الدين أو الدنيا على السواء فكما أن هناك من يتخفى تحت عباءة الدين هناك من يتاجر بآلام وحاجة الفقراء والبسطاء فيعدهم ويمنيهم ويغدق عليهم العطايا والهبات حتى إذا ما وصل إلى الكرسى تبخر.
فلنخرج جميعا لنقول لا للمتاجرين بالمقدسات والثوابت أو بآلام وآمال الكادحين ودعونا – أثابكم الله – نؤكد أن المصريين قادرون دائما على الخروج من المحن بالمنح وسوف يكون بإذن الله.
صفوف على الانتخابات
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة