القبح اعتياد.. فقد نعتاد على القبح حتى يصبح أسلوب حياة ونمطا اجتماعيا نتعايش معه بطبيعة فجة، ففى عام 1985 اهتز المجتمع المصرى وتصدعت أركانه بعد حادث اغتصاب فتاة المعادى ولم يهدأ إلا بعد صدور حكم الإعدام على المغتصبين، أما الآن فحوادث الاغتصاب شغالة ليل نهار فردى أو جماعى وكأنها كالماء والهواء.
وفى الأربعينيات من القرن الماضى كتب فكرى بك أباظة لأول مرة عن ظاهرة التحرش بالنساء وأحضر مثالا لرجل قال لسيدة لا يعرفها «بنسوار يا هانم»، واستنكر الذين يمشون خلف النساء ويطلقون معسول الكلام. ومن مرحلة بنسوار ومعسول الكلام إلى مرحلة ضرب وسحل البنات فى الشوارع وهتك أعراضهن والتحرش الجماعى بهن جهارا نهارا، يتضح أن المجتمع اعتاد على هذه القاذورات الآدمية حتى إنه اكتفى بتصوير الضحايا أثناء ذبحها وكأنه فى رحلة سفارى فى غابات كينيا، حتى إننا اعتدناها فجأة على القمامة وجبالها المتراصة فى الشوارع، وأصبحت جزءا من مشاهداتنا اليومية حتى إنك حينما تبدى قرفك أو غضبك من انتشار القمامة فى الشوارع يرد عليك أحدهم فى سخرية: «يا عم هى جت على دى.. البلد كلها خربانة» رغم أننا كلنا نعلم أن خراب البلد جاء من التعود على هذه المصائب والسلبيات الكارثية، فأصبح (عادى) أن نتعايش مع الاغتصاب والتحرش والقمامة والفن الهابط والتعليم الفاسد و«الرشاوى».. إلخ.
المصيبة أن عمليات الاعتياد على القبح مازالت مستمرة وكأنها مدروسة ومرسومة وممولة، فما نكاد نخرج من الانحراف الجنسى والانفلات الأخلاقى الذى تروج له الدراما فى رمضان والذى مازالت الفضائيات تعيد وتزيد فى إذاعته وكأنها درر إنسانية وكنوز فنية، حتى نفاجأ بنوع جديد من الانحطاط والترويج للخلاعة وقذارة الأخلاق فى البرامج الترفيهية فظهرت علينا منذ فترة «عروسة بلاستيكية» خصصوا لها برنامجا فى وقت الذروة لتتحدث بمنتهى الإسفاف عن الرجل والمرأة والجنس والعلاقات الشاذة بأنواعها وكأن هذه العروسة «المسخوطة» تمهد الأجواء الإعلامية لعصر انحطاط جديد وبعدها مباشرة ظهر برنامج ترفيهى آخر لثلاث فنانات صف ثالث يتحدثن بمنتهى انعدام الاحترام عن أجسادهن وحبهن للرجال والأفلام الجنسية والعلاقات الإباحية.
المصيبة أننا سنعتاد هذه النوعية من البرامج بعد قليل، وسنلوث ثقافة هذا المجتمع أكثر وأكثر بهذه اللغة الإباحية والأفكار الحيوانية، ومع الاعتياد سيظن الشباب أن كل النساء تفكر بهذه الطريقة، وستظن الفتيات أن الرجال يحبون هذا الانحراف والانفلات، ثم نعود ونقول إن «البلد خربانة» وإنها مرتع للبغاء والفساد، والمصيبة أننا نعلم الأسباب ولا نتحرك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة