عندما نتحدث عن المشاركة السياسية عن طريق التصويت فى الانتخابات أيًّا كانت هذه الانتخابات سواء كانت لناد رياضى أو اجتماعى أو فى انتخابات مجالس محلية أو البرلمان، هنا يكون التصويت بناء على اختيار الأحسن والأفضل والأنسب الذى لديه القدرة والخبرة والرؤية والإجادة ليكون عضوا مؤديا لدوره نائبا عن جمعيته العمومية وعن الشعب والأمة فى البرلمان، ولكن، وآه من ولكن، هل الواقع المعيشى، على كل المستويات، يدفع ويساعد الناخب على أن يختار على هذه الأسس؟ بالطبع فإن الواقع لديه من المعطيات الكثير والكثير الذى يدفع الناخب إلى الاختيار بين كثير من الطرق وكثير من الأساليب التى لا علاقة لها بالاختيار السليم والموضوعى، فهناك الاختيار القبلى الذى ينحاز إلى المرشح القريب عائليا أو ابن الحى أو القرية أو المدينة أيًّا كانت صلاحية هذا المرشح للمقعد، ويدخل فى هذا الإطار مثلاً المرشحون الصعايدة المقيمون فى القاهرة والوجه البحرى، هنا يقوم مجمع الصعايدة وأتباعهم بمساندة هذا الصعيدى دون النظر لأى حسابات أخرى.
هناك الاختيار على أسس طائفية (عمال– فلاحين– رجال أعمال) كل طائفة تنحاز إلى مرشحها الذى ينتمى إليها، مع العلم أن النائب يمثل الأمة، هناك الاختيار «بالرشاوى المادية»، وهذا هو السائد الآن فى ضوء التحول الخطير الذى حرم عموم المصريين غير القادرين ماديًّا على خوض الانتخابات، حيث أصبحت للقادرين ماديًّا سواء كانت ثرواتهم مشروعة أو غير مشروعة، وقد صاحب هذا التحول أن أصبحت «الرشاوى» بكل أنواعها مشروعة، بل قل لا يملك أحد إثباتها عمليا، ولذا يصبح القانون كبخار ماء، هناك الاختيار على أساس دينى، وهذا هو أخطر الأنواع على الوطن، فنرى حزب النور مثلاً يلعب بورقة الشريعة وتطبيقها ويدغدغ العواطف بالحكم بما أنزل الله، وهو هنا يكرر سيناريو «الإخوان» السابق الذى تاجر بالشريعة وبالإسلام والإسلام منهم براء.
أما على الجانب المسيحى فهم بلا شك كانوا يعانون وقبل 25 يناير من هجرتهم إلى الكنيسة التى كانت ومازالت عند البعض بديلاً للدولة وللمجتمع، وحتى عندما خرج البعض خارج أسوار الكنيسة قد خرجوا للأسف بنفس المفهوم الطائفى كأقباط وليسوا كمواطنين يمارسون السياسة حزبيا، بعيدًا عن المتاجرة بالورقة القبطية التى لا يجيدون غيرها، ناهيك عن تلك المادة الدستورية اللقيطة التى حددت عددا للمسيحيين فى القوائم المطلقة، هذه المادة التى جعلت لرجال الكنيسة دور واضح يستظل بالدستور، حتى ولو بشكل غير مباشر، مما جعل أصحاب القوائم يذهبون إلى الأساقفة لطلب ترشح أقباط فى قوائمهم تملقًا وأملًا فى مساندة الأقباط لهذه القوائم، كما أن المناخ الطائفى لاتزال آثاره قائمة وستظل إلى حين قادم، كل هذا سيجعل بالموروث السابق أن يتجه الأقباط إلى اختيار القوائم التى ستلاقى قبولاً كنسيًّا وإلى اختيار الأحزاب التى يعتمد أصحابها على مساندة الكنيسة كما حدث مع الكتلة فى انتخابات مجلس الإخوان، وبالطبع ستكون أغلبية الأقباط متجهة إلى اختيار المرشح القبطى أيًّا كانت كفاءته للموقع أو فى أحسن الأحوال وفى غياب المرشحين الأقباط سيكون الاختيار لمن هو ضد الدولة الدينية ومع الدولة المدنية، وهذا لمن يملك درجة من الوعى، ولذا فمازلنا بعيدين عن الممارسة الديمقراطية الصحيحة، فلا ديمقراطية مع الفقر والطائفية والقبلية والجهوية والمتاجرة بالأديان.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة