"نجلب الحبيب والغائب ومحبة الحماة فى 3 ساعات، ونرد المطلقة ونزوج العانس فى 6 ساعات، ونفك المس والسحر والربط ونشفى المرضى فى لمح البصر".
بالطبع سينتابك الغيظ ممزوجًا بالتعجب إذا سمعت هذه العبارات التى لم يتبق على من يقولها سوى أن يضيف عبارة أخرى وهى "نحيى الموتى" لتكتمل المهزلة والتجاوز فى حق الله والعلم.
وقد يكون الأمر طبيعيًا ومألوفًا إذا مارس من يدعون هذه القدرات عملهم فى الخفاء والسر خوفًا من أن تتم ملاحقتهم من قبل الجهات الرقابية، وهو ما كان يحدث على مر العصور بانتشار الدجالين ومدعى العلم والخبرة، بالطب والقدرة على شفاء المرضى خاصة فى مصر.
ولكن المثير هو أن يصل حد التحدى لكل الأجهزة الرقابية والسخرية بها، وأن يقوم الدجالون والنصابون ومدعو العلم والطب بالإعلان عن أنفسهم وبضاعتهم جهارًا نهارًا وعلى الملأ وشاشات التليفزيون والقنوات الفضائية، بل ويعلنون عن أرقام تليفوناتهم وأماكنهم ووسائل الوصول إليهم فى صورة مزرية تهزأ بكل الأجهزة الرقابية وتؤكد أننا نعيش حالة من الترهل والاستهتار والتهاون بلغت أقصى حدودها.
أفجعنى ما شاهدته على بعض القنوات الفضائية التى تعلن عن منتجات طبية ومراكز لعلاج الأمراض ومراكز للعلاج الروحانى وينقصها فقط الإدعاء بقدرتها على إحياء الموتى، فعلى إحدى الشاشات يظهر رجل ذو جلباب أبيض ولحية تصل إلى بطنه فى إعلان تصل مدته إلى ما يقرب من 20 دقيقة يتحدث فيه رجال ونساء يبكون لفرحهم بالشفاء من أمراض مستعصية أهمها فيروس سى خلال فترة لا تتجاوز 10 أيام، بعد حصولهم على علاجات وصفها لهم هذا الشيخ الذى يدعى الإعلان إنه استشارى جراحة عامة وطب بديل، ليدعى هؤلاء الأشخاص أنهم شفوا تمامًا من المرض بعد فشل السوفالدى فى علاجهم ويفرطون فى مدح هذا الطبيب –إن صح أنه طبيب من الأصل– بل ويؤكد الإعلان أن له عددًا من المراكز الطبية لعلاج كل الأمراض على اختلافها وتنوع تخصصاتها، مثل التهابات المفاصل وتآكل العظام والغضاريف والذئبة الحمراء والروماتويد والحساسية الجلدية والصدرية وفيروس سى وتليف الكبد والسكر والضغط وأمراض القلب وضعف الذاكرة وقدرته على تقوية الجهاز المناعى، حتى على علاج الأمراض النفسية وكل هذا خلال أيام قليلة ومن خلال قصص يحكيها الأشخاص الذين يدعون أنهم مرضى ويتحدثون عن قدرات صاحب الإعلان الخيالية، ويبرز الإعلان عددًا من أرقام التليفونات التى يمكن للمواطنين التواصل بها مع مراكز هذا الطبيب المزعوم .
وإعلانات أخرى تتحدث عن مراكز لما يسمى بالعلاج الروحانى والقدرة على صنع المعجزات تؤكد أنه لا يوجد من لديه القدرة على العلاج الروحانى سوى من يعملون بما أسموه "المركز الكونى"، ويعلنون عن أسماء بعض الأشخاص وعن قدراتهم الخارقة فى جلب الحبيب والغائب ومحبة الحماة خلال 3 ساعات والقدرة على رد المطلقة وتزويج العوانس خلال 6 ساعات وفك السحر والمس والربط وصنع المعجزات ويعرض الإعلان أيضًا عددًا من أرقام التليفونات التى يمكن من خلالها التواصل مع هؤلاء الخارقين؟!
فهل يمكن أن تحدث هذه المهازل إلا فى مصر التى لم يعد النصابون فيها يتخفون ويعملون فى السر بل يعلنون عن أنفسهم وأماكنهم وطرق التواصل معهم ليل نهار، ويتاجرون بآلام المرضى وأوجاعهم وحلمهم بالشفاء، ويفاخر فيها الدجالون بقدراتهم ويصطادون ضحاياهم عبر الشاشات والقنوات الفضائية.
وإذا لم يكن لدينا القدرة على منع هذه القنوات التى تبث إرسالها من دول أخرى ومنها قبرص والأردن وتركيا إلا بمخاطبة هذه الدول، فأين الأجهزة الرقابية فى مصر التى يمكنها ملاحقة هؤلاء عبر وسائل الاتصال التى يعلنون عنها، أين وزارة الداخلية ومباحث مكافحة النصب ونقابة الأطباء، وكيف تكون لدى هؤلاء النصابين كل هذه الجرأة والاطمئنان ليعلنوا عن بضاعتهم بهذا الشكل الصارخ والعلنى دون خوف وبكل ثقة بأنهم يعملون فى أمان لأن الجهات المسئولة عن رعاية صحة المواطنين وحمايتهم من النصب ومحاربة الدجل والشعوذة تنام نومًا عميقًا ولن تلتفت إليهم.
ما يحدث يعطى مؤشرات مفجعة على فشل الجهات الرقابية والتحدى الصارخ لها وأننا نعيش فى دولة بلا قوانين أو جهات قادرة على حماية المواطنين وردع النصابين حيث نامت أعين المسئولين والرقباء فتجرأ المستغلون والأدعياء .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة