كنت قد أشرت فى مقال سابق إلى موضوع "القلق الفكرى عند الشباب المصرى" قبل الانتخابات، وأود أن أوضح أننا نظلم بعض الكتّاب والإعلام إذا قلنا هم الذين خلقوا وحدهم هذا القلق الفكرى فى الرأى العام عند الشباب حول اختيار أعضاء مجلس النواب الجديد، لأنه ربما يكون هو الذى خلق مذاهبهم فوجدوه على كل حال متقدماً بالضرورة على تلك المذاهب المتناقضة والخطط الغامضة غير الواضحة لبلدنا، لأن هذا القلق إنما هو تابع (فى رأيى) للاضطراب العام المرحلى الذى تولد من انتقال الأمة من حال ما قبل الثورة 2011 إلى حال ما بعد ثورة 2013 (والجديد لم يأتِ بعد)، خاصة مع إسقاط طبائع الاستبداد الطويل، وحصول الأمة على الحرية السياسية والاجتماعية ولو على القدر الذى تسمح به الظروف (وإن كنت أعتقد أن الحرية لا توهب بل تكتسب).
وفى الحقيقة، إن القلق الفكرى هذا ما هو حصيلة مجموع من المجاميع، لا يكون أثره إلا التخبط فى القوائم الانتخابية والأسماء الفردية التى لا تعد ولا تحصى على غير هدى، يخلط عملا صالحاً وآخر سيئا وباسم نافع وآخر غير نافع، فلا تكون النتيجة إلا أن هذا المجموع لا تستقيم له طريقة ولا يتم له عمل ولا ترى له إنجازات ولا يثبت له نجاح (كما يلوح البعض على المجلس المنتظر)، إلا بمحض المصادفة، وكفى المرء عقماً أن تكون أفكاره وأعماله زمامها بيد المصادفة تقودها إلى حيث تشاء، أهذا ما نريده لمصر بعد الثورة فى برلمانها القادم؟.
إن الشباب الذين ترهقهم الأحداث التى تقع على أشخاصهم أو على أوطانهم، فتبلبل أفكارهم وتسلمهم إلى الاضطراب النسبى، فيخرجون عن جادة الصواب ولا يشاركون فى التصويت، مهما كانوا معذورين – لا يحل لهم أن يقفوا موقف السلب من الحياة العامة، فإنهم ليسوا إلا رجالا صغاراً أو أطفالاً كباراً، هم فى حاجة إلى قيادة عاقلة ورشيدة وناضجة توجههم التوجيه الوطنى المنتج لا المخرب إلى من ينتخبون من أجل مصر.
لم تؤتِ أمة من الأمم مفاتيح الغيب، حتى لا يقع من الحوادث إلا ما تختار، ولكن الرجال الراشدين والشباب العاقلة فى كل أمة، يتقبلون الحوادث بعزم وصدر رحب، يصبرون عليها صبر الكرام، ويقرنون الصبر بالعمل لخير أمتهم وسعادتها، ساعين فى ذلك لإجادة مستقيمة مضمونة النتيجة، أو راجحة النجاح.
يعلمون أن من الفسق والشطط العقيم أن يكون تحرير العقول طفرة وعلى غير استعداد، وأنه يكفى فى تحقيق كلمة حماسة لا تؤثر فى قارئها إلا كما يؤثر فى العامة أثر أبى زيد الهلالى فى تونس، أو ما قاله عنترة فى ميدان القتال، بل يجب فهم المعنى واستيعابه لكى يكون تحديد العقول منفعة وتكون الحرية مسئولية والسيولة الاجتماعية منتجة لا فوضى عارمة، وهذا لن يتحقق إلا بالمشاركة الفعالة فى اختيار نواب المجلس الجدد.
إن الحرية الذهنية والاستقلال الفكرى لأمة يأتى نتيجة تربية طويلة واعتقادات وميول عامة، وأطماع كبيرة لا تجيئها دفعة واحدة ولا فى جدل واحد، بل تختمر فيها وتنتج نتائجها الطبيعية بالزمان، على أن تقدم (السلطة الحاكمة) المناخ المناسب لهؤلاء الشباب الفرصة والحق فى ممارسة الحرية الفكرية حتى يتحقق العمل الهادئ فى ظل السلام الاجتماعى.
كل من فى البلد صغير وكبير يقول بأن أعمال العسف تؤخر البلاد فى طريق الخير والتقدم، وتعطى فرصة للحكومة بعمومنا نحن بتأخير مسيرة التنمية، ولكنا مع ذلك يجب أن نبحث هذا الفهم بغاية الصراحة، من غير مواربة ولا احتياط، وعلى هذه الاعتبارات يجب علينا أن نقتلع جراثيم الخيالات المضرة من أدمغة الأحداث، ونجد فى فهم المسألة المصرية على حقيقتها الآن، ونبعد عن تأثير القلق الفكرى، لنشتغل لمصلحة بلادنا بالطرق المنتجة مع التزام السكينة والسلام الاجتماعى، ولا شبهة فى أن شبابنا العقلاء من كل التيارات والحركات والأحزاب السياسية المرشحة للمجلس، هم وحدهم أقدر الناس على محاربة القلق الفكرى فى الفترة الأخيرة، والسعى بالأمة فى طريق العمل لإنماء الكفاءات المصرية التى بها لا بغيرها، ومشاركة الشعب كله فى الانتخابات، والشباب على وجه الخصوص هو المخرج الأوحد للرقى المنشود سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وفى النهاية يبقى السؤال الأهم "ننتخب من؟" لكى نحقق أهداف أمتنا !
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة