مثلما كانت حواء دوما مصدرا للإلهام فى الأديان القديمة والأدب الغارق فى الرومانسية والرغبة فى تحميل «الأنثى» أخطاء الأب والابن والزوج الضال، تبدو المرأة فى عصر عدم الاندهاش بفعل الإنترنت الخارق للزمن والمنطق ومياه المريخ، كأنها خارجة لتوها من سوق الجوارى فى دمشق أو أثينا أو إسطنبول، ولو أعطيت آلة الزمن ألف عقل لما استطاعت التفريق بين المتمايلات على أكتاف أثرياء العرب فى حفلات المجون، وبين شحنة الأجساد المتدفقة من مركب لصيد العبيد قادمة من سواحل سيراليون لتفرغ حمولتها على شاطئ فيرجينيا أيام كانت أمريكا تقنن العبودية علنا وتحاربها سرا.. عكس ما تفعله الآن.
ما قالته ممثلة ربع موهوبة ونصف شهيرة عن ضرورة نضال البنت المصرية لتأخذ مكانتها الصحيحة فى مستنقع التدنى بالشارع المصرى، ليس سهما يشير لمنعطف الحرية، هذه الحرية بالنسبة لتلك الممثلة تشبه ما قالوه قديما فى المثل عن جدوى الدنيا الواسعة لشخص يرتدى حذاء ضيقا، هذه السيدة تمتلك عقلا لا يقل ضيقا عن هؤلاء الذين يبعن نساء العرب والأكراد فى أسواق النخاسة ويغتصبن الأجنبيات بحجة أنهن سبايا، هؤلاء الذين يفكرون فى خلافة واهمة ويجاهدون فى النصف السفلى من بائسات قادهن سوء الحظ أو الفكر لمصير أسود.
شكل آخر للحرية.. على منصة المؤتمر الانتخابى لحزب النور كان المرشحات يتحدثن عن برامجهن الانتخابية، واثقات، واضحات، يحفظن عن ظهر قلب أهداف الحزب ونشيده، بالتأكيد لديهن ما يقلنه عن حرية الرأى والعقيدة والتعبير، مع القناعة بأن نقابهن من صلب حرية الملبس والاعتقاد، لكن ثمة ناخبين لن تجد فى الكون ما يقنعهم لأن ينتخبوا شخصا يخشى على وجهه من نظرات الناخبين.
العيب ليس فى الأديان بقدر ما هو خلل فى عقول المتدينين، فكل النضال الذى خاضته المرأة عبر عصور لتحسين وضعها فى المجتمعات المختلفة، دعمته الأديان السماوية وأكدته طفرة التعليم فى العوالم المتقدمة، كل هذا النضال يضيع الآن على أيدى نساء أخريات إحداهن تبيع جسدها لأجل المال، وأخرى تلغى عقلها بدعوى الطاعة، وثالثة يظلمها المجتمع والتقاليد فتنتقم فى بناتها، حتى المثقفات وسيدات النخبة اللائى يدافعن عن الحرية ويمارسنها، يجعلن دوما فاتورة ممارستها باهظة الثمن بشكل يخجل منه المستمتعات بقيود الاستعباد.. يقول الشاعر طاغور: «ثقيلة هى قيودى والحرية كل مناى، وأشعر بخجل وأنا أحبو إليها».