بمجرد أن تطأ قدمك السجون تجدهن يتحركن بملابسهن البيضاء، ملامح الحزن والحسرة مرسومة على الوجوه، قبل أن تسألها عن سبب سجنها، تبادرك بالإجابة: "أنا مسجونة فى قضية شيكات بدون رصيد.. أنا غارمة.. تهمتى الفقر.. لا سرقت ولا قتلت ولا مشيت بطال لا سمح الله.. أنا موجودة هنا جوا السجن عشان فيه ناس بره مش حاسة بينا".
عشرات من السجينات تركن الأهل والأقارب، إلى خلف أسوار عاتية تمنعهن من رؤية فلذات الأكباد، يحلمن باليوم الذى يتنفسن فيه هواء الحرية، تتعدد القصص و"الحواديت" داخل كل زنزانة، ويبقى سبب السجن قاسمًا مشتركًا بينهن إنه عدم القدرة على سداد مستحقات مالية.
داخل السجن، تتحرك بحياء وتتحدث بصوت منخفض، لا تكاد ترفع رأسها إلى السماء، إذا سألتها عن اسمها، تجيبك بصوت خافت:"فاطمة"، وتستحى أن تقوله ثلاثيًا، تحكى قصة جديدة من قصص الغارمات، تعود بذاكرتها إلى سنوات ماضية، عندما فوجئت بابنتها أصبحت "عروسة" وتبارى الشباب للزواج منها، لكن الفقر والحاجة يقفا حائلاً دون إتمام الفرحة، وتفشل الأسرة فى تجهيزها، وتحاول الأم أن تحمى فرحة ابنتها، فتذهب إلى شركة تبيع الأجهزة الكهربائية تشترى منها جهاز العروس، وتوقع إيصالات أمانة بعشرات أضعاف ثمن البضاعة ويحل موعد سداد الدين، فتعجز الأم عن الوفاء، ليكون السجن نهاية المطاف.. يطلقها زوجها وتفقد ابنتها العريس الذى رفض أن تكون حماته "رد سجون"، ويذهب كل شىء، ولا يتبقى سوى الحسرة والدموع، حتى يجمع ضباط الشرطة زكاة أموالهم ويسددون دينها لتخرج إلى الدنيا مرة أخرى.
العديد من قصص وحواديت الغارمات داخل السجون، يمل القلم من سردها.. قصص لأمهات دخلن السجن بسبب ثمن ثلاجة أو تليفزيون، "حواديت الصبر" منقوشة على جدران الزنازين، تلعن البشرية.. تلعن القسوة، تتلهف إلى قلوب رحيمة لانتشالها من غيابات السجون.
ووسط هذا الظلام، تخرج إلى النور مبادرات من ضباط صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حيث تحول اقتراح من نقيب الشرطة محمد جمال بجمع زكاة أموال زملائه وسداد ديون الغارمات إلى حقيقة، بعد مباركة اللواء حسن السوهاجى، رئيس قطاع السجون، وإشراف اللواء مجدى عبد الغفار، وزير الداخلية، لتخرج عشرات الغارمات والغارمين بعد سداد ديونهم.
اللافت للانتباه أن عشرات من مرشحى الانتخابات البرلمانية الذين أعلنوا من خلال برامجهم الانتخابية أنهم انحازوا للبسطاء، لم يلتفتوا إلى الغارمات، لم يسألوا عن سيدات يقفن خلف القضبان بسبب 700 جنيه أو أقل.
وبالرغم من المجهود الخرافى الذى يبذله ضباط الشرطة لجمع الأموال فيما بينهم لسداد ديون الغارمات، تبقى أعداد كبيرة من السيدات يحلمن بالحرية، فى انتظار قلوب رحيمة وأيادٍ سخية تبذل وتعطى، وتنقذ مصير أسر كاملة من الدمار، وحياة أطفال صغار من موت محقق بعدما أصبحوا بدون أم، إيمانًا منهم بأنه من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.
محمود عبد الراضى يكتب: الغارمات خلف القضبان بسبب ثلاجة أو تليفزيون.. 700جنيه تحرم أمًا من فلذات الأكباد.. نقوش الزنازين تحكى حواديت الصبر..ومرشحو الانتخابات يزعمون انحيازهم للبسطاء ويتجاهلون الغارمات
الجمعة، 16 أكتوبر 2015 10:00 م
إحدى الغارمات
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة