خيط رفيع يفصل ما بين الوهم والحق، خيط رفيع يفصل ما بين الحقيقة والكذب، خيط رفيع يفصل ما بين الواقع والعالم الافتراضى على شبكة التواصل الاجتماعى، ورغم كونه خيطا رفيعا إلا أنه خيط قوى متين لا يجب أن تخطئه العين لكننا فى مصر غابت الخطوط والمعايير وبالتالى اختفى المنطق واختفت معه أى خيوط تفصل بين العقل والجنون أو المنطق ولغة القطيع التى صارت هى اللغة الوحيدة المتبادلة بيننا أو على الأقل بين أصحاب الصوت العالى.
وبرغم اللحظة التاريخية التى تمر بها مصر والمنطقة وبرغم أن لافتات الانتخابات البرلمانية تحاصرنا من كل صوب وحدب إلا أن الحديث الأكبر والأكثر مشاركة بين فئات كثير من الشعب كان حكاية انتصار واتهامها بالترويج للفسق والفجور كما قالوا، وحكاية جزمة شرين التى استخدمتها بدلا من يدها لتعلن عن رفضها لصوت ما فى مسابقة للغناء، ثم تأتى معركة الإبراشى والسبكى ليصبح هذا الأسبوع هو أسبوع أهل الفن، وراحت المقالات والحكايات تتواتر، والبلاغات والمحامين اللى بيخافوا على أخلاق مصر يتدافعون على مكتب النائب العام لتقديم بلاغات.. كل هذا واقع ولكن على أى شىء استند هذا الواقع وتلك الجلبة، الحق أنهم استندوا على الوهم ولغة القطيع.
لم أكن قد شاهدت أو سمعت كما قالوا انتصار وهى تحرض على الفجور، ولا شاهدت شيرين وهى تخلع حذاءها، ولا السبكى وهو يسب الإبراشى، فأنا أدير تجربة علمية لمقاطعة التليفزيون لمدة معينة، لكن ردود الأفعال دفعتنى لأن أشاهد على الأقل الحادثتين الأولتين حادثة انتصار وشيرين، و لم أشاهد مقاطع من البرنامجين كما يحدث عادة، لكنى آثرت أن أشاهد كل الحوارات وعجبا أجزم أن هؤلاء الذين انتفضوا يهاجمون الفنانتين لم يشاهدوا ولم يسمعوا وربما لو شاهدوا حتى أو سمعوا لم يعقلوا، فانتصار قالت إنها تشاهد هذه الأفلام وهى حرة تفعل ما تريد بدليل أن الممثلة الأخرى المشاركة لها فى البرنامج قالت إن هذا خطأ وهى لا ترضى به وهى حرة أيضاً، واستندوا فى نقاشهم إلى رأى أحد المواطنين فى تقرير أذاعه البرنامج من أن الشباب أحيانا يصبر نفسه بهذه الأفلام.. ما الفجور فى مثل هذا الأمر فى بلد هى الأعلى فى العالم فى مشاهدة المواقع الإباحية، هل إذا دفنا رأسنا فى التراب وقلنا كله تمام نبقى مؤدبين وحلويين ثم حين نغلق على أنفسنا الأبواب نفعل ما نفعله يكون حالنا يسر العدو قبل الحبيب، صحيح أننى أفضل نقاش هذه الأمور بين متخصصين وليس فى قعدة ستات لكن يظل أن نقاش الأمر وقول الرأى لا يحمل فجورا، إلا فى حالة هؤلاء الذين لا يشاهدوا ولا يسمعوا ثم يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على الأخلاق، انتصار لم تشع فجورا ولا فسقاً، فقط قالت واقعاً نرفض الاعتراف به.
شيرين خلعت الجزمة لتعبر على سرعة استجابة لموقف فهاجت الدنيا عليها قال إيه دى قلة أدب واعتذرت والسؤال كم منا حين يسمع صوتاً قبيحاً يشعر برغبة شديدة فى خلع حذائه وضرب من يغنى على أم نافوخه ويقول له أخرس صوتك وحش، وكم منا حين يسمع صوتا جميلا أيضاً يكون له رد فعل قوى، شرين فقط ضربت أم نافوخ الزر الأحمر، لكن حين نتناقل الأمر يصير أن شرين خلعت الحذاء فى وجه جمهورها، وشتان بين الفعلين، والخلاصة أن علينا الحذر فى الخلط بين الوهم والواقع والحقيقة والكذب والعقل ولغة القطيع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة