وفى عام 2004 قال "سراماجو" فى إحدى لقاءاته بجريدة الباييس الإسبانية، بعد أن نشر الرواية "لو جاءنى الموت الآن سأموت وأنا مرتاح الضمير، فقد كتبت ما أردت"، وتحاول الرواية الإجابة عن السؤال: ماذا سيحدث لو قام أكثر من 80% من سكان مدينة ما بالإدلاء بأصوات بيضاء؟ أصوات بيضاء، وليست أصوات ملغية، ولا امتناع عن الانتخابات، بل ذهبوا إلى اللجان الانتخابية، بأصوات صالحة، لكنهم لم ينتخبوا أيا من الأحزاب الثلاثة: اليمين، اليسار، الوسط، لقد قرر كل ناخب، من تلقاء نفسه، منفردا، بدون أن يتفق مع أحد أن يدلى بصوت أبيض.
كان الكاتب العالمى "سراماجو" قد حصل على نوبل فى الآداب عام 1998 وصدرت رواية البصيرة فى 2004، أى بعد حصول ساراماغو على نوبل بست سنوات، وكان "ساراماجو" قد كتب قبلها رواية "العمى" التى قدم فيها القمع بأيدى القوات السياسية، وبعد أربع سنوات كانت "البصيرة".
وفى الانتخابات المصرية بـ"حالها" الذى نقله الإعلام يكشف كثيرا ربما يتشابه مع عالم الرواية، لقد وجدت مصر نفسها بين تيارين يتصارعان على "مجلس النواب" "متطرف دينى" و"منتفع" لم يجدوا أثرا لثورة راح ضحيتها الآلاف.
وظروف المجتمع المصرى ليست مختلفة عن العالم المزعج الذى تحكيه الرواية التى حققت مع "العمى" ثنائية كاشفة وفاضحة لكثير مما يحدث فى سياسة العالم الثالث، لكن وبعد 11عاما بالتمام والكمال حدث ما قاله "ساراماجو" حرفيا فى انتخابات برلمان مصر.
والشعب المصرى بما حدث فى المرحلة الأولى من الانتخابات يدق ناقوس الخطر وينذر الجميع كى ينتبه على ما ستقدم عليه البلاد حال عودة الوجوه نفسها لتصدر المشهد السياسى فى مصر.
نعم يمكن القول بأن الشعب حكيم ويعرف جيدا أن البلاد لا تحتمل الآن رد فعل عنيف على ما يمكن وصفه بـ"الفجاجة" التى أقدم عليها المتأسلمون الذين كانت لهم فتاوى عدة ضد الانتخابات وضد شرعيتها وضد الديمقراطية التى تقوم أساسا على الأغلبية والانتخاب، وبين "رجال الحزب الوطنى" الذين يدركون جيدا أن لا طريق للوصول إلى الحكم والسيطرة على برلمان مصر سوى بالتربيطات والشراء والبيع فى كل ما يخص المصريين، ولما كان هذا الشعب قد خبر الفريقين وعرف أن وجودهم معا أو سيطرة أحدهم على "البرلمان" سيكون انتكاسة كبرى لما تسعى مصر لتحقيقه فى مرحلتها الانتقالية المهمة، فقد قرر أن تكون كلمته هو هى الأعلى وأن يقاطع الانتخابات.
لذا فإن ما حدث فى الانتخابات خطوة أولى ومهمة جدا، وعلى المسئولين أن يقرأونها جيدا وأن يبحثوا عن الخلل ويدركون مكمنه ويقضون عليه ويحاولون باستخدام القانون إقامة الثقة بين الناخب المصرى وبين المرشح، كما على المرشحين أيضا أن يعرفوا حدودهم ويتأكدوا من أن كونهم بلا ناخب يجعلهم "مفضوحين" وسط "دوائر انتخابية فارغة".
موضوعات متعلقة..
- تحليل كتبه أحمد إبراهيم الشريف.. سلمان رشدى ينتصر على الخومينى فى "فرانكفورت"
- الصحة: انتشار مكثف لسيارات الإسعاف بمحيط اللجان الانتخابية
- قائمة "فى حب مصر" تحصد أصوات الناخبين المصريين فى الولايات المتحدة
- الجبهة الوطنية: نجهز لجولات ميدانية بالمرحلة الثانية للانتخابات
- استنفار أمنى بمحيط اللجان الانتخابية قبل بدء تصويت اليوم الثانى
- "اليوم الثانى" طوق نجاة الأحزاب للخروج من مأزق قلة الناخبين أمس.. فى حب مصر: نتعشم أن نرى المواطنين أمام الصناديق.. المصرين الأحرار: أوصينا مرشحينا بتسهيل وصول الناخب.. والوفد تفاجأنا بتراجع التصويت
- التوك شو:"العليا للانتخابات": الإقبال متوسط ويصعب حصر الناخبين.. أمن الإسكندرية: ضبط مخالفين أمام لجان بعضهم ينتمى لحزب النور.. وزير التنمية المحلية: إقبال الناخبين على التصويت فى اليوم الأول ضعيف
- "المنظمة المصرية" تصدر تقريرها لليوم الأول..رئيس لجنة بالعمرانية يستعين بوكيل مرشح بديلا لموظف..ورشاوى انتخابية بالفيوم..وتصويت جماعى بالجيزة..ومنع متابعين دوليين ومحليين من دخول لجان ببنى سويف وأسوان
- حرب البلاغات تشتعل فى أول يوم تصويت بانتخابات البرلمان.. ساويرس يتهم "النور" و"بكار" بالسب والقذف..والجبهة المصرية توثق مخالفات انتخابية بمحاضر..و"المصريين الأحرار" يقاضى عبد الرحيم على ومرشحين سلفيين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة