المعارضة الحقيقية ليست قوة للشعب فقط، بل هى أساس للنظام السياسى كله، بل إنها تمد الحاكم بقوة إضافية فتحفزه على النجاح فى تحقيق أهدافه وتجبره على الدقة فى اختيار رجاله وتدفعه لإرضاء شعبه.
أما عدم وجود معارضة أو التظاهر بوجودها، فهذا يضعف أى نظام حاكم مهما كانت قوته أو شرعيته، لأنه باختصار يفتقد لأهم دوافع النجاح وهى المنافسة والمتابعة، بالإضافة إلى أنه يخالف قوانين الطبيعة بتنوع الأشياء وتباينها، فلو أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق الناس أمة واحدة لفعل ولكنه اختار لنا التنوع فى الأعراق والعقائد والألوان والأفكار.
أى مجال للطاقة لا يحدث إلا بوجود قطب سالب وقطب موجب، ولهذا يتحول الحاكم إلى مستبد ظالم إذا خلت الحياة السياسية من الطاقة وعاشت الدولة بقطب واحد.
ولم تشهد مصر جبهات معارضة قوية وفعالة بعد ثورة 23 يوليو، حيث تصور النظام الحاكم وقتها أن الرضاء الشعبى وحب الجماهير وشرعية الثورة تغطى على أى معارضة حتى إنه وصم أى جهة معارضة بأنها من أعداء التقدم أو من الخونة المتآمرين.
وظن أن أصوات المؤيدين وعقول التابعين تكفيه لإدارة البلاد والنهوض بها وتوعد المعارضين وأخرس أفواههم، وأصبحت المعارضة صفة سيئة السمعة، وانتشرت قصص زوار الفجر والتعذيب فى المعتقلات حتى خلت الساحة تماما من العقول المستنيرة والأفكار الجديدة، بل شح إنتاج الدولة من المبدعين، وسرعان ما تحول المؤيدون إلى منافقين والتابعون إلى أصحاب مصالح، وتحولت الدولة إلى سجن كبير، ومهما اعترفنا بإنجازات 23 يوليو فسيظل موقفها السادى من المعارضة سقطة لا تغتفر.
ولو انتقلنا بالتاريخ إلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو فسنكتشف أن من أسبابهما الرئيسية احتكار الحكم واستبداد القرار لحساب فرد أو جهة أو جماعة وعدم وجود معارضة حقيقية فى مجلس الشعب سواء تكتل لآخره برجال المصالح والأعمال وأتباع الحزب الوطنى أو بالإخوان والعشيرة وأبناء الجماعة.
أذكركم بهذا ونحن على أعتاب أول مجلس شعب فى النظام الجديد وأتمنى أن نعى دروس الماضى كشعب وحكومة ورئيس وتيارات معارضة.
نحن جميعا فى سفينة واحدة، وعلى كل منا أن يقوم بدوره بأمانة وضمير، على الشعب أن يدرك أن شرعية الرئيس ومحبته لا تعنى عدم مراقبته وتوجيهه، وعلى الحكومة أن تدرك أهمية الرأى الآخر فى النهوض بالبلاد، وعلى الرئيس أن يعرف أهمية الإصغاء للمعارضين قبل الابتسام للمؤيدين، وعلى مجلس الشعب المقبل أن يدرك أنه جاء لتصويب الأخطاء وفضح التقصير وأنه ليس للتصفيق والتطبيل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة