دائما ما ترتبط حرية الإبداع فى أى مجتمع بشكل وقواعد القوانين الرقابية الحاكمة، ومصر من الدول التى تشهد أزمات رقابية متعددة عرفت مصر الرقابة مبكرا، حتى قبل أن يوجد إنتاج سينمائى، بهدف رقابة ما يعرض من أفلام أجنبية، والسيطرة على ما قد يكون فيه نية تحريض ضد النظام السياسى أو الاحتلال البريطانى أو الدين.
وشهدت الرقابة على مستوى العالم تغيرات وتطورات فى قيودها وحدودها، تحت تأثير عوامل كثيرة، منها التطور الاجتماعى والسياسى، ونمو الوعى لدى الجمهور، ومساحة الديمقراطية السياسية ولكن فى مصر لا يخضع الأمر لهذه الحالة حيث إنه ومع بداية صناعة السينما أحيانا تقل وطأة الرقابة أو تزيد تبعا للظرف السياسية فى البلد ومن يجلس على كرسى الرقيب ومن يملك مرونة أكثر وذكاء فى الالتفاف حول تلك القوانين المطاطة والبائدة.
ورغم التطور التكنولوجى وتعدد الوسائط لم يتغير شىء فى المشهد السينمائى، اللهم سوى وضع مزيد من العراقيل وتعدد أشكال وألوان الرقابة فكل فرد فى هيئة أو جهة صار رقيبا مرة بدعوى حماية الأخلاق وأخرى للإساءة لهيئة أو مهنة.. مصر تكاد تكون من البلدان القليلة التى يحق لأى فرد فيها أن يقيم المنتج السينمائى من وجهة نظره.. راجع القضايا والدعاوى التى ترفع ضد الأفلام السينمائية "البواب من حقه الاعتراض على منتج فنى يرى أنه يحمل إساءة لشخصه مثلما حدث فى فيلم البيه البواب للراحل أحمد زكى، والمحامى يعترض إذا ظهرت شخصية محامى فاسد مثل شخصية "حسن سبانخ" مثلما حدث مع فيلم الأفكاتو للمبدع الراحل رأفت الميهى، أو بدعوى تكدير السلم أو الإساءة لأجهزة بعينها فى أفلام "البرىء" و "الغول" للكاتب وحيد حامد، أو الإساءة للذات الإلهية مثلما حدث مع فيلم "للحب قصة أخيرة" لأن بطل الفيلم يحيى الفخرانى كان يتحدث إلى ربه وهو مأزوم، المشهد الذى قد يكون طبيعيا فى حياة الكثيرين منا.. والقائمة طويلة من فيلم "ليلى بنت الصحراء" و"السوق السوداء" و"ميرامار" و"شىء من الخوف" مرورا بـ"خمسة باب" و"درب الهوا" و"المذنبون" وصولا لـ"حلاوة روح".
حتى المؤسسات الدينية مثل الأزهر والكنيسة _( أفلام مثل آلام المسيح ونوح وموسى وبحب السيما)- وللأسف فإن زيادة القيود الرقابية عاما بعد عام خلق رقابة ذاتية داخل المبدع لأنه بات يعرف سقف الإبداع فى مصر ليس ذلك فقط بل إن هناك صناع أعمال أصبحوا يأخذون أعمالهم ويتوجهون إلى جهات أمنية أو دينية حسب طبيعة الموضوع الذى يحمله سيناريو المبدع.. تتغير المجتمعات وتتبدل أحوالها ولكن مصر لوحدها تظل متفردة فى سيطرة الرقيب الموظف الذى يقيم الإبداع بمنظور أخلاقى ودينى وتظل مصر فريدة فى آلية إدارة الرقابة على الإبداع.. ولن تكون المرة الأخيرة التى نكتب فيها عن الرقابة فى مصر ومعارك المبدعين خصوصا أن العقلية التى تحكم الجهاز الرقابى رجعية لا تعرف شيئا عن الاستنارة ويجب على وزير الثقافة حلمى النمنم أن يلتفت إلى ملفات الرقابة التى صارت مليئة بالعديد من الأعمال التى تحمل ختم الرفض وزادت اللاءات طبقا للأمزجة، والرقابة بتلك الطريقة التى تدار بها خطر على الإبداع وصناعة السينما وتساهم فى مزيد من التردى للأوضاع، لأنه كلما زادات اللاءات والاعتراضات لن يتبقى للمبدع شىء لذلك لا تسألوا عن أفلام الهلس.