عرف الناس منذ زمن سطوة الإعلام وأهميته فى التأثير على الشعوب فمن منا ينسى قول الثعلب الماكر جوبلز، وزير إعلام هتلر، الذى قال قولته الشهيرة «أعطنى إعلامًا بلا ضمير أعطيك شعبًا بلا وعى»، إذن فالأمر جد قديم بمعرفتنا بتأثير الإعلام، ولكن زادت حدة هذا التأثير وإحساسنا به فى مصر بعد ثورة يناير بصورة كبيرة محسوسة لدى العامة قبل الخاصة.
ورغم أن مقالى يتصدر عنوانه اسم إسراء عبدالفتاح فإنها ليست إلا مثالا على ما أود أن أشير إليه من تأثير الإعلام غير الواعى المنتقص للضمير، إسراء كانت مجرد فتاة من إحدى محافظات مصر انتمت لجماعة 6 إبريل وعرف الناس اسمها حين تم القبض عليها فى زمن مبارك ثم عفى عنها حين استعطفته الأم فى الإعلام، ولم أكن أعرفها أو التقيت بها، ولكنى عرفتها ككل الشعب حين اندلعت ثورة يناير وكنت من مؤيديها، أقصد الثورة طبعا، ولكنى لم أحب أو أتعاطف أبدًا مع بعض مشاهيرها من الشباب بل رأيت أنهم مجموعة أغلبها يتميز بالصفاقة وأنهم بالبلدى كده حيلبسونا فى الحيطة وسيجعلون كثيرا من أهل مصر يكفرون بالثورة، وأعلنت هذا الرأى مرارا وتكرارا مكتوبا ومرئيا ومسموعا، وكانت إسراء عبدالفتاح من بين من أقصدهم ممن قالوا عنهم شباب الثورة الذين أشير إليهم ولم أكن أعرفها ولا التقيت بها، ثم حدث فى مصر ما حدث من تداعيات وتغيرات دفعت بكثير من الشعب إلى الكفر بثورة يناير وبعض أو كثير من وجوهها سواء من مؤيدى يناير أو المعارضين لها، فكانت فرصة سانحة لكثير من إعلام بلا ضمير أن يلوث سمعة أغلب هذه الوجوه التى اختلفت معها، ولكنى لا أملك أن ألوثها حتى بمنطق أنهم لبسونا فى الحيطة، ففرق كبير بين الغباء السياسى والطيش كتهمة، وبين الخيانة والعمالة كتهمة أخرى، ولكن الإعلام عديم الضمير والمهنية لم يتوقف أمام الفرق بين الحق والباطل وبين جريمة تلويث السمعة أو جرائم أخرى، فحتى الآن كل ما يردده هذا الإعلام هو كلام مصاطب، فلم تحكم محكمة واحدة على هؤلاء بتهمة حقيقية ولكنها مجرد تهم إعلامية تتوج رؤوس البعض بتاج من شوك فى حياتهم اليومية وهى جريمة كبرى فى أى بلد محترم يحترم خصوصية الفرد كما المجتمع، ولكن فى مصر من حق أى عابر سبيل أمام كاميرا أو ميكروفون أن يدمر حياة الناس بلا رقيب أو حسيب.
كنت ومازلت أرى أن لا خلاص لنا مما نعيش فيه من حالة شديدة الوطأة علينا كشعب إلا بأن نحاول فهم بعضنا البعض ونتقارب قدر المستطاع حتى مع اختلافنا، وهو مفهوم مختلف عن المصالحة فهو مفهوم خاص بالتعايش السلمى، ولذا فلى مجموعة صديقات بعضهن ضد ثورة يناير وأخريات شاركن فيها جمعتهن وقررت أن أجرب معهن نظريتى فدعوت للجلسة إسراء عبدالفتاح بشكل مفاجئ مع اختلافى معها ولكن مع معرفتى وعلمى الكامل بأسباب الاختلاف ليس كما يروجه الإعلام عديم الضمير، ولكن صديقاتى انتفضن ورحن يرددن نفس تهم هذا الإعلام وأنها قبضت ثمن الخيانة سيارة بى إم دبليو وشقة فى باريس وغيرها من تهم لا أساس لها من الصحة، ورفضن للأسف حتى الجلوس معها، وإسراء لا تملك إلا سيارة صغيرة قسط وشقة فى إسكان متوسط، فأثبتن لى بموقفهن أن المرض مازال متمكنا منا، وأن الفيروس يسرى فى عقولنا على اختلاف مستوياتنا الثقافية والاجتماعية، والفضل لإعلام كاذب غير مهنى يعمل أغلب من فيه لصالحه لا لصالح أمة يجب أن يتعايش أهلها على نفس الأرض مع اختلافهم، لست فى معرض الدفاع عن إسراء عبدالفتاح أو غيرها، فهم أولى بأنفسهم، وأنا أول من أتهمهم، ولكنى فقط أشير إلى إعلام يوزع اتهامات باطلة ويروج لها دون سند من الحقيقة فيثير الكراهية فيما بيننا لا الاختلاف الذى هو سمة البشر كما قال رب العزة سبحانه صاحب الخلق.. نحن شعب يتقاتل من أجل لقمة العيش وشبر على الأرض التى ضاقت بنا رغم اتساعها، ولكن لم يكف ذلك إعلام جوبلز، فراح يضيف أسبابا أخرى للتقاتل والكراهية دون سند من حق أو قانون فمتى يتقون ربهم؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة