محمد الدسوقى رشدى

جريمة «قرار النقاب» فى جامعة القاهرة

الجمعة، 02 أكتوبر 2015 10:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإخوان والمرتشون والمتآمرون خطر لكن خطرهم ليس أكبر من خطر المسؤولين العاجزين عن إدارة ملفاتهم

تحسس عقلك، وأكرمه، فلم يعد فى غمدك من سلاح سواه، هو درعك فى وجه أهل الجهل والمزايدة، وهو سيفك فى وجه أهل المصالح والفساد، وهو حصن هذا الوطن قبل أن تتكالب عليه جيوش الغباء وفيالق «الشو».

إذا أخبرك أحدهم أن الخطر الذى يهدد مصر محصور فقط بين الإخوان، وداعش، والمتآمرين فى الخارج، والفاسدين ماليًا فى الداخل، فلا تصدق، هو لم يصدقك فى القول، وغفل عمدًا أو جهلًا أن يخبرك عن أخطر العناصر فى قائمة تهديد مستقبل هذا الوطن.

الإخوان والمرتشون والمتآمرون خطر، لكن خطرهم ليس أكبر من خطر المسؤولين العاجزين عن إدارة ملفاتهم، المهرولين لإصدار قرارت غير مدروسة، الضائعة عيونهم عن قراءة الواقع ومطلباته، وما يجوز أن نحسمه فورًا، وما يفضل أن نؤجل حسمه لمرحلة لاحقة أكثر تناغمًا وتناسبًا للواقع الذى نعيشه، الفاشلين فى ترتيب أجندة أولوياتهم بالشكل الذى يخدم مصر قبل أن يخدم مصالح وجودهم على الكرسى.

مصر أغلى من أن يقدمها وزير أو محافظ أو رئيس جامعة أو رئيس حزب هدية للمتربصين بها، بسبب تصريح ساذج، أو قرار غير حكيم، أو قانون صادر فى توقيت غير سليم.

أى عقل، وأى تفهم للواقع المرتبك الذى نعيشه يمكنه أن يقول بأن مصر التى يتربص بها الإخوان، ومن خلفهم عدد من السلفيين المتشددين، للإيحاء بأن 30 يونيو لم تكن سوى خطة للقضاء على الإسلام، وتعبير عن كراهية السلطة الحاكمة للدين، بدلًا من أن ترد عن نفسها تلك الشبهة، حتى لا يستغلها الإخوان فى الضحك على أنصارهم وإقناعهم بأن رحيل مرسى لم يكن بسبب فشله وإرهاب جماعته بقدر ما كان كرهًا وعداوة للإسلام، بدلًا من أن تجتهد لفعل ذلك، يظهر البعض من خلف ظهورنا ليجتهد فى تأكيد ذلك بإصدار قرارت غير ذات قيمة، لا تخص أزمات مستعجلة، ولا يتحملها الظرف، ولا توجد لها مبررات واضحة، مثلما فعل الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، وأصدر قرارًا بمنع عضوات هيئة التدريس المنتقبات من دخول المحاضرات فى جامعة القاهرة.

قرار رئيس جامعة القاهرة الذى يعرف- كما تعرف أنت- أن توقيت صدوره سيحل علينا بكارثة، وسيدعم موقف مرشحى حزب النور السلفى فى الانتخابات، والذين يروجون لأنفسهم بين الناس بأنهم نواب حماية الإسلام من المتربصين به، لم يكن هذا وقته، وليس هو القرار الذى سيعدل حال جامعة القاهرة المائل.

عضوات هيئة التدريس المنتقبات فى جامعة القاهرة عددهن 10 فقط باعتراف رئيس الجامعة، والنقاب فى جامعة القاهرة ليس ظاهرة متفشية خطرها يهدد العملية التعليمية، فهل هذا هو مفهوم رئيس الجامعة عن الأولويات، هل يعنى ذلك أن رئيس الجامعة أنهى جميع مشاكل المناهج والمصروفات والميزانيات والمعامل وصيانة المدرجات داخل جامعة القاهرة، ولم يتبق له سوى إشعال نار معركة جانبية فى الوطن بسبب 10 منتقبات.. دعك أصلًا من فكرة الحرية، وعنصرية فكرة تمييز الأشخاص وفقًا لما يرتدون، ودعك أصلًا من فكرة أنه من الظلم إيقاف المسيرة المهنية لمدرّسة أو معيدة ربما تكون متفوقة، وربما تكون أفضل من عشرات الدكاترة والباحثين بسبب ما ترتديه من ملابس، تحت وطأة الخوف من نشر الأفكار المتطرفة، وكأننا لم نتعلم من درس الإخوان السابق الذى أخبرنا بأن الأفكار المتطرفة لا تحتاج إلى نقاب أو لحية لكى تتخزن فى عقول أصحابها.

دعك من كل هذا، وركز كثيرًا مع فكرة أن السيد رئيس الجامعة الموقر نقل للرأى العام تصريحات مزورة ومزيفة حول أن عضوات هيئة التدريس المنتقبات تفهمن قراره، لأن بعضًا منهن خرج للتعبير عن رفضهن بقسوة، وقلن إن القرار عنصرى، وحرب على الإسلام، بل تحدته إحداهن بأن يجرى استفتاء بين الطلاب حول ما إذا كان النقاب عائقًا أمام قدرتها على إيصال المعلومة للطلبة.. فهل يقبل التحدى، أم اعتاد أن يصدر قراراته هكذا دون دراسة، ودون حوار مجتمعى داخل أسوار الجامعة؟!

القرار الصادر من رئيس جامعة القاهرة يشبه إلى حد كبير قرار رب البيت الذى لا يجد ما لا يطعمه لأطفاله، لكنه يقرر أن هدفه الأول شراء تكييف، قرار يشبه إلى حد كبير قرارات شخصية «السحت» التى ابتكرها الرائع أحمد رجب فى رائعته «ناس وناس»، لأن جامعة القاهرة التى يشكو طلابها من كل شىء من المؤكد أنها تحتاج جهد رئيسها للدخول فى معارك أهم من معركة نقاب 10 مدرسات.

خطأ رئيس الجامعة لم يتوقف عند عجزه عن ترتيب الأوليات، أو صناعة معركة جانبية فى وطن لا يحتاج إلى مزيد من المعارك، ولا يتوقف عند حدود أنه هدية للإخوان، أو دعم مباشر لمرشحى النور السلفى فى انتخابات البرلمان، بل يتضمن أيضًا عدة أخطاء إجرائية، ليس من الملائم أبدًا أن تصدر عن رئيس جامعة فى حجم جامعة القاهرة:

- أولًا: القرار يمثل حرمان شخص من أداء وظيفته بسبب ملابسه التى تصنف على أنها رمز دينى، وهذا أمر فيه تمييز وعنصرية يتعارضان مع ما كفله الدستور للمواطن المصرى من حقوق.

- ثانيًا: هل يجوز من أستاذ جامعة أكاديمى أن يأخذ قرارات بهذا الشكل الساذج والفوضوى دون أن يقدم للناس تفسيرًا منطقيًا أو مبررات داعمة؟، أليس اللائق بقرار يصدر فى جامعة تشجع البحث والدرس أن يسبقه تكليف مركز أبحاث أو مجموعة بحثية بدراسة القرار وتداعياته ومعطياته ومبرراته وآثاره الجانبية، حتى تكون النتيجة الخاصة باستحالة استيعاب الطلبة المادة العلمية من مدرسة منتقبة يكون نقابها حاجزًا يؤثر على التواصل بينها وبين طلابها، نتيجة مدعومة علميًا تصلح كمبرر لقرار صادر من رئيس جامعة، بدلًا من أن يصدر القرار على الطريقة «الهلهلية»؟

- ثالثًا: هل تتحمل مصر فى هذا التوقيت أن تمنحها هدية، وتجعل من قرارك قبلة حياة لإحياء الإخوان وأسطورتهم عن الدين المضطهد فى مصر، وتفتح لهم مساحة جديدة تمكنهم من زراعة أفكار فى عقول الشباب الذين يسعون لتجنيدهم بأن الإسلام يحارب فى مصر؟، ألم يكن أولى بك أن تنتظر البرلمان المقبل، ويتم تقديم الطرح، ويحظى بنقاش برلمانى ومجتمعى حتى يصدر وفق مظلة توافقية لا تسمح لأحد باستغلاله ضد الوطن؟!

- رابعًا: ألم يكن من باب أولى أن يستغل رئيس جامعة القاهرة جهده وتركيزه ووقته الذى ضاع، والذى سيضيع بسبب تضخم كرة ثلج الخلاف حول النقاب فى حل مشاكل وأزمات جامعته، وتسيير العملية التعليمية للطلاب؟.. هل منطقى أن تهتم بأزمة 10 وتهمل أزمة عشرات الآلاف؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة