انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية، وبدا المشهد العام أن هناك عزوفًا شعبيًا كعادة المصريين السابقة لعقود طويلة، ولكن ربما أغرى المراقبين مشهد طوابير المصريين فى بعض الاستحقاقات الانتخابية السابقة، كانتخابات الرئاسة، أو التصويت على الدستور، وراحوا يتصورون أن المواطن المصرى تغير وصار مواطنًا إيجابيًا، وله دور، وصوته لديه قيمة، أما بعض الإعلاميين، بل قل أغلبهم إلا من رحم ربى، فقد تصوروا أيضًا أن زعامتهم الصوتية الليلة كفيلة بأن تدفع بجحافل المصريين إلى الوقوف بالساعات تحت شمس القاهرة التى مازالت ساخنة ليدلوا بأصواتهم فى الانتخابات، كما أنهم فى جهالة مفرطة.. ربطوا بين شعبية الرئيس وبين الانتخابات النيابية، ثم حين لم تتدفق الجماهير راحوا يولولون على زعامتهم لكنهم استحوا، بل ربما خافوا أن يؤكدوا على ما قالوه سابقًا من ربط بين شعبية الرئيس وبين الانتخابات، فراح كل منهم يؤكد عكس ما قاله سابقًا، بل إن بعضهم راح يحلل تحليلات ما أنزل الله بها من سلطان، مثل أن عزوف الجماهير عن الانتخاب سببه أن الناس من فرط حبها للرئيس تخاف عليه من مجلس شعب غير متوافق، ولذلك امتنعوا!، ثم يأتى الضلع الثالث فى المجتمع، والذى كان له رأى أيضًا، وتحليل لحالة الانتخابات، وهم بعض رجال الدين الذين وصل بأحدهم أن يفتى بأن تارك التصويت كتارك الصلاة!
ولكن لندع هؤلاء من محللين ومذيعين ورجال دين جانبًا، فهم لا يشكلون إلا ظاهرة صوتية نتحدث عنها، ولا نعمل لها حسابًا إلا بقدر قليل، فالانتخابات تعنى مرشحًا وجموعًا تنتخبه أو لا تنتخبه، أما المرشحون فهم على اختلافهم وعددهم، فالمعروفون منهم للجماهير أغلبهم عليهم علامات استفهام سلبية أكثر منها إيجابية، وأما غير المعروفين فهم مجهولو الهوية بلا نسب يدفع الجماهير للاقتران بهم. أما الطرف الثانى من العملية الانتخابية، وهو الشعب أو الناخبون، فقلوبهم شتى، ما بين حياة يومية شديدة الصعوبة، ورزق قليل، وما بين من هو غاضب ومحبط، وما أكثرهم من المصريين، وبين من يدرك أن لعبة السياسة لعبة لا يستفيد منها إلا أصحابها، وبالتالى لا يعيرها همًا، ثم تأتى نسبة قليلة تتصور تصورًا خاطئًا- كما روج البعض- أن المشاركة تأييد للسيسى، فتعلن مقاطعتها، وآخرون من حزب الكنبة أو القهوة، والذين ما عاد يهمهم إلا تبادل الحوارات دون فعل أو حركة، وهؤلاء يشكلون النسبة الأكبر من الشعب على تفاوتهم، فلا تبقى إلا نسبة قليلة، إما من المرتبطين بالمرشحين بشكل مباشر، أو من الذين تحركهم مصالح أو يتصورون خطأ أنهم بمشاركتهم يؤيدون السيسى، ويؤازرونه ويريدون إعلان ذلك، كهذا الناخب الذى ذهب للجنة الاقتراع يقول «أنا جاى أنتخب السيسى».. تلك هى المعادلة دون فذلكة، أو تحميلها معانى ودلالات أخرى عبيطة أو مغرضة، ولكن يظل لو أننا أردنا علمًا أكبر بالمسألة أن تهتم الدولة بشكل علمى كامل وصحيح برصد عوامل عزوف الناخبين عن الاقتراع. ولكن لا شىء تغير، فحكوماتنا ونظامنا مازال يصر على نفس المنهج الذى هرمنا منه، فقد أسرع المسؤولون فى إعلان نسب مشاركة كاذبة، كما أن المرشحين الذين فازوا حتى الآن هم بنفس نسق السابقين، فلماذا تطلبون أن يتغير الطرف الثالث فى المعادلة، الناخبون، أما الرابحون الوحيدون فهم مواقع الكوميكس والنكت فقد صارت لديهم فرصة لـ«القلش» أكبر، لذا فقد ربح «القلش» فى هذه الانتخابات وخسرنا جميعًا.