كتب أحدهم يقول: "نعيش فى زمن، إن قيل فيه للحجر: كُن إنسانـًا، لقال: عذرًا، فلستُ قاسيـًا بما يكفى!". ما أصعب أن تمر بالإنسان فترات فى حياته يشعر فى لحظاتها بالقسوة من الآخرين. وتتعدد مظاهر القسوة وأساليبها: فالإنسان القاسى قد يستخدم الكلمات القاسية، أو التجاهل، أو التشهير، أو التخلى عن الآخرين وقت الحاجة إليه، أو الإيذاء الجسدىّ. والقسوة أمر مرفوض بجميع أنواعه؛ فهى نَوع مِن قتل النفس؛ وإن لم يحاسَب عنها الإنسان كما ذكر الشاعر "جُبران خليل جُبران":
وَقَاتِلُ الْجِسْمِ مَقْتُولٌ بِفِعْلَتِهِ وَقَاتِلُ الرُّوْحِ لا تَدْرِى بِهِ الْبَشَرُ
إلا أنها أمام الله، وسيأتى اليوم الذى يجازَى فيه الإنسان بحسَب عمله لأن بالكيل الذى به يَكِيل يُكال له ويزاد، وهٰذه هى عدالة الله، لٰكنه ـ جل جلاله ـ يهب فرصـًا للإنسان لكى يتوقف عن قسوته.
أسباب القسوة
عديد من الأسباب فى قسوة الإنسان، منها: أن يكون الإنسان القاسى قد مرت به مواقف وظروف صعبة شددت قلبه، كمعاملة قاسية من الوالدين أو أحدهما، فقرر أن يقسو هو على الآخرين مثلما قست الحياة هى عليه.
أيضـًا المفاهيم المغلوط فيها، التى تأتى إلى الإنسان عن طريق بعض الأصدقاء غير الحكماء، فنراه يخلط بين القسوة وصفة أخرى مثل الحزم أو القوة أو النصح، وهٰكذا نجده إنسانـًا قاسيـًا ويعتقد هو أنه حازم، دون أن يُدرك معنى الحزم الحقيقى وحدوده وكيفية عدم تحوله إلى قسوة . أو نجد شخصـًا يسمع لمشورة أصدقائه الخاطئة فى أن قسوته هى دليل على قوته! مثل "رَحَبْعام" بن "سليمان الحكيم" الذى حينما جاء إليه الشعب يطلب منه الترفق به؛ تشاور هو وأصدقاؤه، فلم يكونوا حكماء معه بل نصحوه بأن يرد بقسوة على الشعب؛ فانقسمت المملكة ولم يتبعه إلا سِبْط ونصف سِبط من الاثنَى عشَر سبطـًا أبناء "يعقوب".
قسوة الكلمات
الكلمات القاسية لها ألم شديد على نفس الإنسان، وإن لم يعاقب عليها القانون، فهى تتسبب فى قتل أشياء جميلة داخل سامعها. وفى أغلب الأحيان، تخرج الكلمات القاسية فى أوقات غضب الإنسان، لذٰلك كُن حريصـًا فى كلماتك التى تتفوه بها وبخاصة فى أثناء انفعالك وغضبك، فلا تتهم أحدًا أو تُهينه، ولا تتخذ القرارات التى قد تندم عليها. يقولون: "عندما تغضِب، اكسِر أى شيء، أى شيء! ولٰكن احذر كسر مشاعر البشر؛ فإن كلمات الغضب قاسية جدًّا؛ وقد تقتُل الثقة أو الأمل أو أمورًا يصعب استرجاعها على مدى العمر". وتذكَّر، عزيزى الإنسان: إن كانت الحياة قد قست عليك، فليكُن لك القلب الرحيم على الآخرين، فمن اجتاز الألم عليه أن يجنِّب من حوله تلك الآلام فتكون له الرحمة سندًا له أمام الله فى يوم الشدة والضيق.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة