التعاطى مع الواقع أفضل من الهروب، فقد تخيل حزب النور أنه سيعيد سيناريو «غزوة الصندوق»، وأن الناخبين سيخرجون عن بكرة أبيهم لنصرة أعضاء حزبه، واختيار قوائمه الانتخابية، ولما منّى بالفشل، خرج رئيس الحزب يونس مخيون بتصريحات نارية يائسة، مفادها أنها الانتخابات الأسوأ فى تاريخ مصر، وأنها نقطة سوداء فى جبين هذا العهد، والسؤال هنا: هل هو يصدق نفسه، أم يحاول تجميل السقوط؟ فى الحالتين هو يمارس عملية هروب من الواقع، بالقفز إلى تخيلات افتراضية بعيدة عن الواقع.
أولا: فشل حزب النور فى خطته المزدوجة «المقاطعة والحشد»، ولم ينجح فى إقناع الناخبين بعدم المشاركة، ولا فى حشد عشيرته للسيطرة والهجوم، وكان من الأجدر بمخيون أن يعترف بالهزيمة، بدلا من تشويه الانتخابات التى لم تشوبها وقائع تزوير، هو من «تخيل» أن كل مسلمى مصر هم إخوان أو سلفيون أو متعاطفون معهم، وأيقظته نتيجة المرحلة الأولى على حقائق مريرة، حتى فى الإسكندرية، التى «تخيل» أنها محطة الانطلاق إلى البرلمان.
ثانيا: «تخيل» حزب النور أن أقلية منظمة يمكن أن تهزم أغلبية مبعثرة، وبدلا من أن تكون نتائج الانتخابات صدمة أفاقة، أصابته بمزيد من هلاوس خداع الذات، رافضا الاعتراف بأن العيب فيهم، وأن الناس أفاقوا من أكذوبة أنهم «ناس طيبين وبتوع ربنا»، بعد أن اكتشفوا بأنفسهم أنهم ليسوا طيبين ولا بتوع ربنا، وإنما يلهثون وراء الجاه والسلطة، وأنهم جميعا خرجوا من رحم الإخوان، ولم ينقطع الحبل السرى الذى يزودهم بعصارة التطرف، والفارق الوحيد أنهم ارتدوا ملابس تنكرية، لتضليل الجمهور فى حفل الديمقراطية.
ثالثا: النتائج النهائية لن تكون أسعد حالا لحزب النور، والمؤشرات تؤكد أن الإقبال الجماهيرى فى المراحل المقبلة سيكون أكبر بكثير، بعد أن أدرك المقاطعون أنهم البطل الحقيقى وليسوا مجرد كومبارس، وانقشعت هواجس الماضى ومخاوف التزوير والتصويت نيابة عنهم، وأرست الدولة قاعدة احترام إرادة الشعب، وحفزته للعودة إلى ممارسة حقه الانتخابى، وبدلا من أن يفيق مخيون وحزبه وعشيرته، على متغيرات جديدة تفرض نفسها على أرض الواقع، لجأ إلى عالمه الخيالى البعيد عن الواقع.