تحت اسم "مؤلف مجهول"، ورد عدد كبير من المُصنفات التى لم يُهتدى إلى أسماء أصاحبها حتى اليوم؛ لعلها من الغرائب والعجائب فى تاريخ المُصنفات، أن تظهر بعضها دون معرفة صاحبها أو أنه ليست هنالك القدرة العلمية الكافية لمعرفة من كتبها وخطها، فاصطلح على تسميتها حينما ترد كونها جزءًا من مكتبة البحث فى دراسة ما تحت: مؤلف مجهول.
إنها إشارة بالغة الأهمية، وغاية لا مُنتهى لها سوى العلم، إذ انتفع الناس بعلمهم دونما أدنى ذكر للتعرف على من وضعه أو كتبه وخطه بيمينه ليكن له جزاء الحسنى فى الدار الآخرة، ليُثاب على من استفاد من عمله الجدير وعلمه الطيب.
ولكن هل توقفت الجهود عند ذكر عنوان الكتاب دونما ذكر لاسم صاحبه سوى ذكر: مؤلف مجهول، وماذا يحدث لو خرج هذا الذى اندثر اسمه ورسمه من على مؤلفه الذى اختطه يده، هل سيصاب بالفزع والهلع بإن مئات من السنين استمرت دونما ذكر لاسمه، أو ذكر لفضله فى هذه المادة التى كتبت، هل وهل..
إن هنالك أسئلة عديدة تطرح نفسها فى شأن هذا الموضوع الخطير؛ فإذا كانت أسماء هؤلاء مجهولة، فعلمهم دل على مكانتهم، فالجهل بهم هو جهل باسمهم، ولكن فى الوقت ذاته معرفة لجوهر عملهم النبيل وعلمهم الطيب فى خدمة العلم وإثراء المكتبة العربية بعلوم ومعارف لا يزال يُعتمد عليها الكثيرون حتى الآن.
ولعل المُطلع على مؤلفات هؤلاء سيتمتع أيما استمتاع من تلك الفضائل التى وردت بهذا المُصنف أيًا كان نوعه وفرعه ومكانته فى العلوم المُختلفة، إذ سيطلع من خلاله على قدرته العلمية ونباهته البحثية، وسجيته الحكيمة.
وربما الطريقة الفضلى التى يمكن التوصل بها إلى معرفة صاحب هذه النسخ من المُصنفات التى تركت دونما ذكر لصاحبها، هو أن يقوم المُحقق المتخصص بذلك –إن صح التعبير- فهو إذا كان مُتخصصًا فى تحقيق مخزون التراث اللغوى، أو التراث التاريخي، فينصح بأن يقوم هو نفسه بالتعرض لهذه النسخ التى أدرجت تحت مؤلف مجهول فى هذا المجال، ليقارن بين ما وضع بين يديه من مادة سابقة وتالية، ليكشف من خلالها الأسلوب فى الكتابة والعناصر المعرفية التى فى داخل الكتاب المخطوط، وغيرها من الشوامل والهوامل التى تعينه على اكتشاف مؤلفها.
إنه لا شك عملاً صعبًا للغاية، يحتاج إلى متخصص نبيه، ولا يسعه سوى أن يعلم أن ما يقوم به خدمة جليلة فى تاريخ العلم، والمسألة تتم بمعرفة هذا الشأن، دونما خطأ يقع فيه حتى لا ينسبها إلى غير صاحبها الحقيقى.
والأمثلة كثيرة على المؤلفات التى لا تنسب لأحد سوى القول بـ:"مؤلف مجهول"، ومن أمثلة هذه المُصنفات هو مخطوط "تاريخ الأندلس لمؤلف مجهول"، إذ يعتبر هذا المخطوط من المصادر الهامة المتعلقة بجغرافية الأندلس وتاريخها نظرًا لاعتماد مؤلفه المجهول على مؤلفات أصلية، معظمها من المصادر الضائعة أو المبتورة، وكأنه قد أراد أن يحفظ لنا، وإلى الأبد، تلك الصورة الجميلة التى كانت عليها العدوة الأندلسية فى ظل الحكم الإسلامى؛ إذ ركز المؤلف فى القسم الجغرافى على جملة من المحاسن التى كانت تتميز بها الأندلس عامة، والمدن الأندلسية المختلفة التى قدم المؤلف وصفاً مستفيضاً عنها بالاعتماد على معظم المصادر الجغرافية التى تم تأليفها فى هذه البلاد منذ فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير، وبذلك فقد حفظ لنا المؤلف معظم ما كتبه الجغرافيون المسلمون عن هذه البلاد.
ولا يوجد فى المخطوطة أية إشارة تدل على اسم المؤلف، كما أن النسخ الثلاثة لهذا المخطوط لا تحمل فى طياتها اسم الناسخ وتاريخ النسخ، وحتى المؤلفين الذين اعتمدوا على هذا الكتاب لم يذكروا اسمه، وأكثرهم اقتباساً منه هو أبو العباس أحمد المقرى صاحب كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، الذى ينقل عنه فى مواضع كثيرة من كتابه دون أن يشير إلى اسمه فيقول: "وقد ذكر غيره"، "وقال بعض من وصف إشبيلية"، "والذى رأيته لبعض مؤرخى المغرب فى سرقسطة"، "وقال بعض المؤرخين"، "وقال آخر"، "وقال غيره"، "وقال بعض العلماء".
إن الموضوع أكبر من أن نضعه فى مقالة مُختصرة، وإنما جعلنها بذرة ونبذة يتنبه إليها القاصى والدانى لعلها تكن بطاقة استرشادية تُرسل إشارة تذكرة لموضوع بحثى عن هذا هذا الموضوع "المؤلف المجهول فى كتب التراث".
محمد جمعة عبد الهادى موسى يكتب: المؤلف المجهول فى كتب التراث
السبت، 24 أكتوبر 2015 06:16 م
ورقه وقلم أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة