جاءت نتائج حزب النور فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية عام 2015 صادمة لقيادات الحزب وللمراقبين والمتابعين، فالحزب لم يستطع أن يحقق فوزا فى مناطق نفوذه فى الدلتا والإسكندرية، كما لم تحقق مقاعده الفردية أى تقدم فى محافظات عديدة فى الصعيد، مثل أسوان والأقصر وسوهاج والمنيا، وفى الجيزة كانت نتائج مرشحيه هى الأسوأ.
ما جعل هزيمة حزب النور صادمة ومدوية هو أن الحزب بدا واثقا من نفسه مستغنيا عن التحالفات مع الأحزاب الأخرى، فجهز قوائمه منفردا، وصرح بعض قيادييه، بثقة، بأن الحزب سيكون له حصة كبيرة فى مقاعد البرلمان المقبل، وكان الحزب قد حقق مفاجأة مدوية فى انتخابات عام 2011 جعلته الحزب الثانى فى الحياة السياسية بعد حزب الإخوان وقتها الحرية والعدالة، فقد حصل على ما يقرب من 27% من مقاعد البرلمان التى زادت على مئة مقعد، ومن ثم كان وصيف الإخوان وقوة سياسية استهان بها الإخوان وقتها، لكنهم ما لبثوا أن عرفوا قيمتها وسعوا للتحالف معها.
الأسباب التى قادت لهزيمة حزب النور عديدة فى تقديرنا، أهمها أن الحزب دخل فى تفاوض سياسى مع الدولة الخائفة من إمكانية حصوله على مقاعد كبيرة فى البرلمان، وأظهر لها أنه متمسك بمنطق المشاركة لا المغالبة، ومن ثم فإنه سيتقدم بقائمة واحدة فى غرب الدلتا ولم يتقدم بقائمة له فى الصعيد، وهى القائمة الكبرى، رغم أن له جمهورا بالقطع فى الصعيد، كما لم يبد الحزب تحفظه بالقوة الواجبة على نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة، وهو نظام معيب لأنه يعطى القائمة الفائزة كل المقاعد التى حصلت عليها القوائم الأخرى إذا حصلت على 50% وزادت عليها واحدا.
ومن الأسباب التى قادت لهزيمة الحزب الحديث أنه لا يملك، فى تقديرنا، بنية مؤسسية ولا ماكينة تنظيمية فاعلة تستطيع الحشد والتعبئة والتواصل الواجب والفعال مع جمهوره، فقد تعرض الحزب لانشقاق قاده مؤسسه عماد عبد الغفور، الذى أسس حزبا سلفيا جديدا هو حزب الوطن، ولا شك أن هذا الانشقاق أضعفه، والحزب استغنى عن بناء مؤسساته وأمانة تنظيمه بالظاهرة المشيخية التى يستطيع المشايخ عبر توجيهاته أن يخاطبوا مباشرة جمهوره ليوجهوه، حيث يريد للتصويت، وقد انفض العديد من المشايخ عنه ممن كانوا ينتمون للدعوة السلفية فى الإسكندرية كسعيد عبد العظيم، وصمت عنه مشايخ كانوا من مؤيديه مثل محمد إسماعيل المقدم، كما أن مشايخ آخرين وهم قادة سلفية القاهرة والجيزة قد ناصبوه العداء واعتبروه حزبا خائنا وشنوا عليه حملات إعلامية جاوزت المعقول فى الخطاب الإسلامى المتدثر بحدود لا يجوز أن يغادرها على مستوى الأخلاق، وهؤلاء محمد عبدالمقصود وفوزى السعيد ونشأت أحمد وتولى كبر الهجوم القاسى على الحزب محمد عبد المقصود ووجدى غنيم الهاربين خارج مصر.
الإخوان والمتحالفون الآخرون معهم من السلفيين غير ما ذكرنا شنوا هجوما عاتيا على الحزب وأطلقوا عليه «حزب الزور» وقد شن عاصم عبد الماجد على الحزب حملة عاتية لم يدع وصفا إلا ووصفه به، وكذلك منتسبو حزب الأصالة وعموم إعلام الإخوان والمتحالفين معه اعتبروا الحزب خائنا بانحيازه لما يعتبرونه انقلابا على رئيسهم الشرعى المعزول محمد مرسى، أى أن الجمهور الإسلامى المتحالف مع الإخوان والمشايخ السلفيين وأولئك التابعون لحازم أبى إسماعيل وغيرهم من كل ألوان الطيف الإسلامى اعتبروا الحزب عدوا لهم وانفضت كتلة كبيرة من السلفيين وجمهوره المحافظ بعيدا عنه.
لم ينظر إلى الحزب كعدو فقط من الاتجاهات الإسلامية المختلفة معه خلافا عقديا اتخذ هجوما غير مسبوق فى علاقات الإسلاميين ببعضهم، بل ناصبت القوى المدنية والعلمانية الحزب العداء هى الأخرى، وتعرض الحزب لهجمة شرسة من الحملة التى جمعت توقيعات لحذف الحزب من ا لمشهد السياسى كله تحت عنوان «لا للأحزب الدينية»، وتعرض الحزب لرفع دعاوى وقضايا ضده بحسبانه حزبا دينيا وليس سياسيا فى القضاء الإدارى الذى أحال بعضها للجنة الأحزاب، فقد كان الحزب يخوض معركته الانتخابية تحت قصف نفسى ومعنوى وتعبوى حاد وكان الإعلام المعادى للحزب ظهيرا لكل الحملات، سواء إعلام الإخوان فى الخارج أو الإعلام المصرى فى الداخل. وللحديث تتمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة