الأمطار وحدها لم تجرف محافظ الإسكندرية، ولكنه كان ضحية لأفعاله الشخصية، ولمشاكل متراكمة وفوق طاقته، فمنذ أول يوم يشغل فيه منصبه تطارده رغبة المواطنين فى الإطاحة به، وارتكب أفعالا عمقت أزمة الثقة، مثل تبريره جنسيته الأمريكية بأن الدولة كانت تعلم ذلك، وإصراره على الظهور المتكرر لزوجته دون داع، وشراء سيارة مرسيدس جديدة، وانشغال المحافظ السابق بتوافه الأمور، وإهماله المشاكل الحقيقة وإلقاء الفشل على عاتق جهات أخرى، فظهر ضعيفا ومستسلما وبلا سلطات أو صلاحيات، حتى جاءت أمطار يوم الأحد فأغرقته وأطاحت به، لأنه فوق ذلك لم يتحرك ولم تكن لديه قرون استشعار لمواجهة الكارثة قبل أن تقع.. والدرس المستفاد من ذلك هو ضرورة التعجيل بتغيير المحافظين، واختيار من تتوافر لديهم الخبرات العملية، وسابقة التعامل مع الجماهير على أرض الواقع وليس فى المكاتب المكيفة.
الأمطار لن تكتفى هذا الشتاء بمحافظ الإسكندرية، ومسؤولية الحكومة أن تعلن حالة اليقظة القصوى، لأن الأزمات تتربص بمحافظين آخرين تئن محافظاتهم بمشاكل مشابهة، ولا يحسنون استغلال الإمكانيات المحدودة فى مواجهة المشاكل الكبيرة، ومشاكل الإسكندرية صورة طبق الأصل من بورسعيد وأسيوط وأسوان والبحر الأحمر وغيرها، والمحافظون ليسوا أحسن حالا أو أكثر قدرة من هانى المسيرى، وقد تأتيهم الأمطار فجأة فتكشف ضعفهم وسلبياتهم، ونعود من جديد لمآسى التظاهرات والاحتجاجات، فى ظل ظروف صعبة ولا تحتمل ذلك، وتتطلب التعامل بأساليب مختلفة.
أشك أن لدى كثير من المحافظين، دراسات تفصيلية حول مشاكل محافظاتهم الحالية والمحتملة، وخطط مواجهتها والتعامل معها، فماذا يحدث مثلا إذا أغرقت الأمطار الطريق الدائرى، الذى لا توجد فيه بالوعة واحدة لصرف مياه الأمطار، وتتراكم المياه فى المناطق المنخفضة وفى مطالع الكبارى، وتتزاحم السيارات وتصاب الشوارع بالسكتة المرورية؟ وهل توجد استعدادات لمواجهة السيول، إذا عادت- لا قدر الله- إلى العريش وأسيوط وأسوان؟ وهل أنشأت الحكومة وحدة علمية متخصصة لإدارة الأزمات، تكون مهمتها توقع الكوارث قبل حدوثها، واقتراح خطط للمواجهة وبدائل للحلول؟.. كان الله فى عون من يشغل منصبا فى هذه الأيام، فالمشاكل أمامه والجماهير خلفه، والأمطار أمامه وخلفه.