لن يكون فى مصر ديمقراطية حقيقية، إلا إذا نشأ حزبان كبيران، يتنافسان فى الملعب السياسى، مثل الأهلى والزمالك فى كرة القدم، يتصارعان ويتعاركان ويكشفان الأخطاء والسلبيات، ويضعان الناخبين أمام برامج حقيقية، تتيح لهم فرص المقارنة والاختيار، أو أن تؤمم الحياة السياسية لصالح حزب واحد، فهذه هى الشمولية السائدة منذ أيام الاتحاد الاشتراكى، وجرى تغليفها بعبارات براقة عن نزاهة الانتخابات، وحياد الإدارة وعدم تدخلها فى سير العملية الانتخابية، ومنذ عودة الأحزاب أيام الرئيس السادات، لم يتغير نظام الحزب الواحد، وظلت التعددية مجرد ديكور، تتجمل به أنظمة الحكم.
الانتخابات الحالية كتبت شهادة وفاة الأحزاب القائمة، بعد أن ظلت رهن الموت الإكلينيكى منذ ولادتها، وقال لها الناخبون: «إنكم لا تستحقون الحياة»، فقد ظلوا أسرى خداع الذات، وإدمان البحث عن شماعات يعلقون عليها الفشل، وشهدت وليمة «فى حب مصر» صراعا غير مسبوق، للحصول على حصص فى قوائمها، وباع بعض رؤساء الأحزاب مؤيديهم وحلفائهم، من أجل مقعد مضمون فى القائمة، ومن حصل عليه رقص منتشيا ومشيدا بالنزاهة والشفافية، ومن خرج صفر اليدين عاد باكيا على استار السلطة، متهما إياها بالتدخل وعدم الحياد، ونسوا جميعا أن الطريق إلى البرلمان يمر عبر أصوات الناخبين، وليس عن طريق توازنات سامح سيف اليزل.
لا أمل ولا رجاء فى الموروث الحزبى القديم، وأسفرت إرادة الناخبين فى الجولة الأولى عن رغبة جامحة فى استشراف نظام حزبى جديد، تتم ولادته فى البرلمان المقبل، الذى يحقق فيه المستقلون أغلبية كاسحة، فهم الاحتياطى الاستراتيجى للحزب المتوقع ظهوره، لشغل الساحة السياسية وملء الفراغ الناتج عن اختفاء الأحزاب الكرتونية، وعدم الرغبة فى وجود أحزاب دينية، ومنطق الظروف التى تمر بها البلاد يؤكد ضرورة وجود ظهير برلمانى قوى، يساند الدولة ويدعم برامجها الإصلاحية، ولن يتحقق بأغلبية متناثرة، حتى لو كانت توجهاتهم واحدة، ولكن حتى لا يعود الاتحاد الاشتراكى أو الحزب الوطنى، تتطلب المعادلة حزبا معارضا قويا، يمنع الاحتكار ويشعل المنافسة.