رسالة تخيلية من ضحية التحرش إلى المتحرش.. تروى تفاصيل الألم والإهانة.. "قصة لمسة" نسيها هو وأصابتها هى بعقدة نفسية.. الرسالة تلخص مشاعر الفتيات بعد تجربة التحرش الجنسى ومراحل التأهيل ونظرات المجتمع

الخميس، 29 أكتوبر 2015 03:00 ص
رسالة تخيلية من ضحية التحرش إلى المتحرش.. تروى تفاصيل الألم والإهانة.. "قصة لمسة" نسيها هو وأصابتها هى بعقدة نفسية.. الرسالة تلخص مشاعر الفتيات بعد تجربة التحرش الجنسى ومراحل التأهيل ونظرات المجتمع تحرش
كتبت رضوى الشاذلى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل عامين أو أكثر لم تعد قادرة على تذكر الموعد تحديدا، فما تبقى فى ذاكرتها من هذا اليوم الباهت هذا المشهد المؤلم التى تأكدت أنه سيبقى مهما مر الوقت أو تكاثرت الأحداث على ذاكرتها، فقط تتذكر شكل جسدها المرتعش ودموعها التى عرفت طريقها إلى وجهها وقلبها الذى كان يدق متسارعاً، وأقدامها المرتعشة التى حالت دون سقوطها بعد محاولتها المستميتة للتشبث بالأرض.

مشاهد مبتورة ومشوهة تحاول استرجاعها من الذاكرة قبل أن تكتب رسالتها الأولى للمتحرش الأول فى حياتها، تسترجع كيف غيرت لمسته المسروقة لها حياتها ومن ثم تفكيرها، تتذكر كيف تعافت ونزعت ما تبقى بقلبها من جرح وألم، وكيف أدارت معركتها مع الحياة، كل هذا كان بين يديها وهى تكتب إليه خطابها الذى تخبره فيه رسالتها الأولى له "مش من حقك تمنعنى أنزل".

سطور فارغة فى مقدمة الأوراق تركتها عسى تتذكر البداية، ثم تبدأ فى كتابة التفاصيل واحدة تلو الأخرى، تقول: "عزيزى المتحرش الذى لم أنساك يوماً، عامان مرا وأنا قلبى يعتصر غلاً وحزناً على هذه اللحظة التى لمست فيها جسدى وتركتك تمشى دون أن أتفوه بحرف واحد، أوجه لك التحية أينما وجدت، أحيى شجاعتك على الإقدام والتحرش، أنقل لك أحر تحياتى على هذه اللحظة التى اتخذت فيها قرارا بأن تقترب منى لدرجة أرعبتنى وزرعتك فى قلبك قوة منحتك لمعة فى العين وإقداما على التصرف، أوجه لك التحية على هذا التغيير الذى أحدثه بحياتى وعلى كل لحظة مررت بها منذ أن اقتربت منى حتى الآن وأنا أكتب إليك الرسالة الأولى.

فى البداية سأخبرك عن الفصل الثانى من اليوم المشئوم الذى من المؤكد نسيته، أما أنا فمازلت أتذكره جيداً، بعد الواقعة تركت هذا المكان وتوجهت إلى غرفتى وقبعت لساعات أحاول أن أتمسك فيها بما تبقى بى من قوة، عاودت لمس هذه المنطقة التى لامستها وهربت، وكأن يدك بقيت مكانها، حاولت إخفاء جسدى فى غطاء ظننت أنه سيمنحنى الأمان كما كان يحدث قديماً، بكاء هستيرى وأفكار متشابكة جمعيها فى محاولة فاشلة للهدوء، حتى غابت الشمس وتجاوزت الساعة العاشرة، وأنا على وضعى أشعر بمرارة ما حدث".

تنهى الورقة الأولى وتسحب أخرى لتكمل رسالتها.."مر اليوم الأول بسلام رغم ما حدث، حاولت تهدئة نفسى فأنا الآن فى مكان آمن أستطع أن أحتمى به قدر الإمكان، لم أنطق فى هذا اليوم حرفاً واحداً خوفاً وخجلاً، مر اليوم الثانى وقررت أن أبقى فى منزلى أحاول أن التقط خيوط الأمان ممن هم إلى جوارى، حافظت على صمتى أيام طويلة، حتى جاءت اللحظة المناسبة وقصصت حكايتى لأول مرة إلى أمى، أخبرتها عنك وبرسالتك الطائرة التى تركتها لى قبل أن تهرب وهى "ما أنتى نازلة أصلا عشان تتعاكسى"، نظرت لى أمى نظرة مطولة وهى تحاول أن تتحكم فى دموعها المنهمرة وشفتاها التى حاولت كثيراً أن تمنعها من الحديث، ولكنها فى النهاية قالتها دون حرج، دون أن تعلم بما ستتركه على نفسى من أثر سيئ أخبرتنى وهى تُخفى وجهها "إنتى غلطانة ما أنت بتلبسى ضيق.. وأنا قولتلك كتير بلاش"، قالتها أمى وأحدثت جرحاً لا يقل كثيراً عما فعلته أنت قبل سنوات".

تستكمل رسالتها قائلة: "أعلم أن رسالتى قد طالت، وأراك تتأفف وأنت تقرأ معاناتى فى سطور، ربما تضحك أو تسخر من سذاجة رسالتى، لكنى مصممة على استكمالها حتى النهاية، كان حديث أمى معى ورسالتها سبب فى إحداث شىء ما بداخلى لم أستطع أن أفسره أو أحدد ملامحه، بل أنا على يقين تام بأن هناك شيئا ما حدث، لن أخفيك سراً، قررت وقتها أن أترك عملى فى شركة السياحة التى كنت أعمل بها "بعد أن تخرجت من كلية التجارة"، واستكمالاً للقرارات التى اتخذتها فى هذه المرحلة هو ارتداء الحجاب والتخلى عن ملابسى القديمة بكاملها واستبدلتها بغيرها، حتى أصون جسدى وأمنع عينك وعين الآخرين من أن تصل إلى جسدى أو تطوله بأى شكل من الأشكال".

الآن فقط..أصبحت محتشمة كما طلبت منى أمى، واستعدت ثقتى بنفسى وانكسر الحاجز النفسى وبدأت أعود من جديد إلى الحياة الطبيعية، حتى العمل قررت الرجوع إليه بعد فترة من الانقطاع، وأصبحت أتذوق حلاوة الحياة حتى يوم لا يختلف كثيراً عن يوم أن طالت يدك جسدى، تكرر المشهد بسخافته استمعت إلى كلمات قبيحة وحاول أيضاً أن يطولنى ولكنه فشل، الآن تم التحرش بى وأنا متخفية فى هذه العباءة التى لا يظهر منها حتى حذائى، لم أعرف لماذا هذا يحدث ويتكرر، ما الذنب الذى اقترفته أنا هذه المرة حتى يتطاول آخر على جسدى، إذا كانت الملابس الضيقة هى جُرمى فى المرة الأولى، كما أكدت لى أمى، لم أقدر على الاستيعاب وأنا ألمم نفسى متجهة إلى المنزل، ولكن هذه المرة بقرار مختلف وأكثر جراءة، أنا الآن أقوى على المواجهة والتحدى، أنا وحدى من أقدر على أن أعالج جرحى، أنا فقط صاحبة الحق فيما أخفى وأظهر، وأنت لا حقك لك فى أن تمنعنى، الآن أخبرك بعد أن تعافيت من الألم الذى تركت به وطهرت قلبى من وجع تمكن منى لشهور وربما لسنوات، الآن أعود إلى الحياة التى أرغبها، أخبرك عزيزى المتحرش بأنى فى طريقى إلى موعد لقائنا الأول أنتظرك كى أخبرك رسالتى وجهاً لوجه أخبرك بكل قوة "مش من حقك تمنعنى"، وفى النهاية وداعاً عسى أن نلتقى فى عالم آخر وأختصمك أمام الله.














مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة