تناسى العالم المتحضر، صورة الطفل السورى «إيلان»، الغارق على شواطئ مدينة بودروم التركية، مطلع شهر سبتمبر الماضى، واستبدل بدلا منها صورتى الرئيس الروسى فلادمير بوتين، والأمريكى باراك أوباما، عندما يأتى وقت الحديث عن الأزمة السورية، التى تجاوزت عامها الرابع، ومرشحة إلى أن تستمر ضعف هذه السنوات، ما دامت الحرب مصدرا أساسيا لرفع أرباح شركات السلاح الأمريكية والأوروبية والروسية.
إيلان وغيره من أطفال سوريا، مجرد أرقام وأصفار على اليسار لا قيمة لها، مقارنة بحجم عقود السلاح، التى وقعها كبار المنتجين، على هامش الأوضاع فى سوريا ومحيطها الإقليمى، التى تجاوزات قيمتها مليارات الدولارت، فيما تظل تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مرهونة بمن يدفع أكثر.
بدأت الأزمة السورية، فى مارس 2011، بمقدمات صغيرة مثل ما حدث فى دول الربيع العربى، احتجاجات شبابية، ضد قمع وفساد، ومجموعة مطالب شعبية بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، ومع دخول الإخوان على الخط، فى صورة دعوة من المراقب العام السابق لجماعة الإخوان فى سوريا، عصام العطار، إلى الرئيس السورى بشار الأسد، بالانصياع إلى مطالب المتظاهرين، تغيرت نبرة المطالب الإصلاحية، إلى المطالبة بإسقاط النظام.
ومضت الأحداث فى طريقها مظاهرات ضد الأسد، رد عنيف من قوات النظام الحاكم، إلى أن شهد نهاية عام 2011، ظهور ما يسمى بجبهة النصرة السورية، بقيادة أبومحمد الجولانى، واستمر هذا التنظيم فى قتال النظام السورى، مدعوما بإمدادات دولية، وفى العام التالى تحالفت النصرة، مع تنظيم دولة العراق الإسلامية بقيادة أبوبكر البغدادى، ومنذ ذلك الوقت سقطت سوريا فى مستنقع المجهول بالنسبة للشعب السورى، والمعلوم بالنسبة لمصنعى ومنتجى السلاح.
بالتزامن مع ذلك الوقت، كانت التقارير تشير إلى أن عائدات شركات الدفاع المنتجة للأسلحة تراجعت على مستوى العالم، وحسبما ذكر موقع Defense News، المعنى بأخبار التسليح، فى تقرير له، أنه فى ظل استمرار انخفاض إنفاق الحكومات على الأغراض الدفاعية على مستوى العالم سوف تتراجع العوائد.
وقال التقرير: إن الشركات قاومت هذا التراجع من خلال عدة إجراءات مثل عمليات الاندماج والاستحواذ أو الخروج من الأسواق التى تشتد فيها المنافسة أو وقف الأنشطة الخاسرة والتركيز على الأنشطة الأكثر ربحا، وساعد ذلك على تماسكها وعدم تعرضها للهزات العنيفة التى شهدتها فى فترات سابقة مثل التسعينيات، وبحسب الموقع، فإن الخبراء توقعوا استمرار تراجع الإنفاق الحكومى الدفاعى خلال السنوات المقبلة، ما يؤثر سلبا على أرباح مؤسسات الدفاع، كما توقعوا استمرار انكماش عائدات القطاع خلال الـ4 سنوات المقبلة وحتى نهاية العقد الحالى، وأن يكون التراجع الأكبر خلال عامى 2015 و2016، ما لم يكن هناك جديد يرفع الطلب على السلاح.
عقب صدور هذا التقرير بفترة وجيزة نشطت فجأة الولايات المتحدة، وقررت تشكيل تحالف دولى لشن ضربات جوية، ضد تنظيم داعش، فى كل من سوريا والعراق، دون إشارة من قريب أو من بعيد للنظام السورى، وربما لا يحتاج الوضع تفسيرا، أكثر مما ذكره ريتشارد أبوالعافية، نائب رئيس مجموعة تيل جروب للاستشارات، الذى وصف الحرب فى سوريا بأنها «الحرب المثالية لشركات الأسلحة»، لافتا إلى أن الضربات الجوية فى العراق وسوريا، التى تشنها الولايات المتحدة على رأس الائتلاف الدولى، فرصة ذهبية لصانعى الأسلحة الأمريكيين، فحملة الضربات الجوية على تنظيم «داعش» تعنى فى الحقيقة نفقات بملايين الدولارات لشراء قنابل وصواريخ وقطع غيار للطائرات، وتؤمن طلبات وعقود إضافية لمختلف أنواع الأسلحة.
لم يكن تقرير مجموعة تيل جروب للاستشارات وحده الذى تحدث عن ذلك، بل ذكرت تقارير اقتصادية، أن الحرب ضد تنظيم داعش، ساهمت فى رفع أسهم شركات الأسلحة فى البورصة الأمريكية، خاصة بعدما أرسل الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، مستشارين عسكريين إلى العراق فى شهر يونيو الماضى، وأوضحت التقارير، أن الأشهر الثلاثة الأخيرة، شهدت ارتفاعا فى أسهم شركة لوكهيد مارتن الأمريكية لصناعة الأسلحة بنسبة %9.3، فيما ارتفعت أسهم شركة رايثيون ونورثروب جرامان %3.8، بينما قفزت أسهم شركة جنرال دايناميك %4.3.
ومع توسيع نطاق الضربات الجوية لتشمل تنظيم داعش فى سوريا، فازت شركة «رايثيون» الأمريكية بعقد مع البنتاجون، بقيمة 251 مليون دولار قيمة توريد صفقة صورايخ من طراز «توماهوك»، ونوهت التقارير إلى أن مكاسب الحرب ضد تنظيم داعش فى سوريا والعراق، ليست قاصرة على شركات السلاح الأمريكية، المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية، وإنما فى العقود التى ستوقعها هذه الشركات مع الدول الأوروبية والعربية المشاركة فى التحالف الأمريكى ضد «داعش».
كما كشف تقرير صادر عن المعهد الدولى لأبحاث السلام فى ستوكهولم، «سيبرى»، أن إجمالى مبيعات الشركات الكبرى المصنعة للأسلحة على مستوى العالم، وصل حوالى 402 مليار دولار، ومن بين أكبر 100 شركة مدرجة على قائمة مبيعات السلاح، هناك 38 شركة مقرها الولايات المتحدة، وواحدة فى كندا و30 شركة فى أوروبا الغربية، وتمثل مبيعات تلك الشركات حوالى %85 من إجمالى مبيعات الأسلحة العالمية، فى حين بلغ إجمالى مبيعات 10 شركات روسية مدرجة على القائمة 31 مليار دولار.
القواعد الأساسية فى أسواق السلاح العالمية، أنه لا قيمة للمنتج بدون تجربته فى مكان ما، والسلاح صنع أساسا للاستعمال، وكلما زادت الحرب، زاد الطلب، وبالتالى تدفقت الأرباح وراجت الصناعة، ووفقا لإحصائية حديثة. إن إجمالى إنفاق منطقة الشرق الأوسط على الأسلحة والمعدات العسكرية بلغ حوالى 119 مليار دولار، نصف هذا الرقم أنفقته السعودية.
وتتنوع مصادر التسليح فى منطقة الشرق الأوسط، ويعتبرها المصنعون والوكلاء، منطقة نشطة تحتوى على عملاء دائمين ومحتملين، وفقا لتصريحات صحفية لـ«أناتولى إيسايكين» المدير العام لشركة تصدير الأسلحة الروسية «روسوبورون أكسبورت»، قال فيها: إن العراق تحتل المركز الثانى فى ترتيب مستوردى السلاح، والعتاد العسكرى من روسيا، فيما تتقاسم الهند والصين وفيتنام المراكز الأولى فى استيراد السلاح والعتاد العسكرى الروسى، مؤكدا أن الجيش العراقى يهتم أولا بالطائرات المروحية التى تساعده فى محاربة تنظيم «داعش».
ولم توقف العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على «روسوبورون إكسبورت» أكبر مصنع للسلاح فى روسيا، بسبب الأزمة الأوكرانية، طموح الشركة الروسية فى التوسع، حيث أكد مستشارها فياتشيسلاف أوفتشينيكوف فى تصريحات لوكالة «إنترفاكس» الروسية، نتوقع بيع أسلحة ثقيلة لهذا العام بقيمة 13 مليار دولار، وأن الشركة تلقت قيمة طلبات شراء بحوالى 38 مليار دولار، وبالتزامن مع ذلك الوقت نجحت شركة «رايثيون» الأمريكية فى توقيع صفقة أسلحة مع سلطنة عمان، بلغت قيمتها 2.1 مليار دولار، بعد زيارة لوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للسلطنة الشهر الماضى.
وعلى الرغم من أن روسيا لها أهداف استراتجية فى شن هجمات على تنظيم داعش فى الأراضى السورية، ممثلة فى تأمين الميناء الروسى فى مدينة طرطوس السورية، الذى يتيح لروسيا الوصول إلى البحر الأسود، وكذلك الضغط على الولايات المتحدة، لإنهاء أزمة أوكرانيا، ودرء المخاطر المحتملة من عودة المقاتلين الروس المنضمين لتنظيم داعش، إلى موسكو مرة أخرى، فإن هناك أيضا هدفا أساسيا يتمثل فى فتح أسواق جديدة للسلاح الروسى، ما يعنى أن الصراع بين واشنطن وموسكو، فى جوهره صراع على أسواق السلاح، فى منطقة الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أن واشنطن لم تكن جادة بما يكفى للقضاء على تنظيم داعش، من خلال قيادتها للتحالف الدولى، أو تقديم يد العون للشعب السورى، وإنما استهدفت فقط إنعاش شركات السلاح الأمريكية.
فى «الأزمة السورية».. تجار السلاح الأمريكان والروس "الرابح الأكبر".. دول الشرق الأوسط أنفقت 119 مليار دولار على شراء الأسلحة والمعدات العسكرية.. وواشنطن تسيطر على 31% من إجمالى المبيعات
الأحد، 04 أكتوبر 2015 12:10 م
الطفل السورى «إيلان»
كتب - شوقى عبد القادر
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة